البلوغ : حقیقته، علاماته و احکامه. وتلیه رساله فی تاثیرالزمان والمکان علی استنباط لاحکام الشرعیه

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

عنوان و نام پديدآور : البلوغ : حقیقته، علاماته و احکامه. وتلیه رساله فی تاثیرالزمان والمکان علی استنباط لاحکام الشرعیه/ تالیف جعفر السبحانی.

مشخصات نشر : [قم]: موسسه الامام الصادق(ع)، 1418ق. = 1376.

مشخصات ظاهری : 135 ص.

شابک : 4000 ریال: 964-6243-17-7

وضعیت فهرست نویسی : برونسپاری

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

عنوان دیگر : رساله فی تاثیر الزمان و المکان علی استنباط الاحکام.

موضوع : بلوغ -- احادیث

موضوع : بلوغ -- جنبه های مذهبی -- اسلام

موضوع : مسائل مستحدثه

شناسه افزوده : موسسه امام صادق (ع)

رده بندی کنگره : BP112/6/س 2ب 8 1376

رده بندی دیویی : 297/2135

شماره کتابشناسی ملی : م 78-1230

مقدمة

البلوغ

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 4

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ*

وَ مٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ

(التوبة- 122)

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 5

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ

و الصلاة و السّلام على محمّد و آله الطيّبين الطاهرين.

أمّا بعد: فهذه رسالة وجيزة في البلوغ، حقيقته و علائمه:

للبحث عن البلوغ جوانب متعددة، فتارة يبحث عنه في علم الطب، و أخرى في الحقوق و القانون الوضعيّ، و ثالثة في الفقه الإسلامي، و رابعة في العرف و عامة الناس، و إشباع الكلام في كلّ واحد، من تلك الجوانب بحاجة إلى بحث مسهب خارج عن هدف الرسالة و إنّما نشير إليها بوجه موجز:

أمّا الجانب العلمي و الطبي فيبحث فيه عن عوارض البلوغ المختلفة، من اشتداد العظم، و غلظة الصوت، و طول القامة، و نموّ الصدر في الرجل، و ظهور الثديين في المرأة، و ظهور الشعر في العانة

إلى غير ذلك من العوارض

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 6

الطبيعية التي تظهر عند بلوغ الذكر و الأنثى، و قد تعرّض إليها علم وظائف الأعضاء مفصلا. «1»

و أمّا الجانب الحقوقي و القانوني فيبحث فيه عن البلوغ بما انّه مبدأ زوال الحجر عن الإنسان، فإنّ غير البالغ محجور في تصرفاته عامّة، فإذا بلغ، نفذت تصرفاته، فبذلت جهود لمعرفة عوارض البلوغ و علائمه من هذه الزاوية.

و أمّا الجانب الفقهي فيبحث عن البلوغ الذي هو مبدأ التكليف و من لم يبلغ فقد رفع عنه القلم، فالبلوغ موضوع للأحكام التكليفية و الوضعيّة.

و في الوقت نفسه هو أمر عرفي و له حقيقة لغوية عرفية يعرفها الناس مفهوما و مصداقا، غير أنّ الشارع مع إمضائه للمفهوم العرفي جعل له ضوابط رفع بها الإبهام الذي يحفّ حوله فليست للبلوغ حقيقة شرعية أو متشرعية.

______________________________

(1). و من أراد التفصيل فليرجع إلى سلسلة كتاب: «چه مى دانم» باللغة الفارسية الجزء المختص بالبلوغ.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 7

البلوغ في الذكر الحكيم

اشارة

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تحقيق البلوغ من منظار الذكر الحكيم، و قد عبّر عنه سبحانه في آياته بالتعابير الثلاثة التالية:

بلوغ الحلم، بلوغ النكاح، بلوغ الأشد.

فلنتناول كلّ واحد منها بالبحث:

الأوّل: بلوغ الحلم

اشارة

قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلٰاثَ مَرّٰاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلٰاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيٰابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلٰاةِ الْعِشٰاءِ ثَلٰاثُ عَوْرٰاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لٰا عَلَيْهِمْ جُنٰاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّٰافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلىٰ بَعْضٍ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللّٰهُ لَكُمُ الْآيٰاتِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. «1»

و قال سبحانه: وَ إِذٰا بَلَغَ الْأَطْفٰالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا

______________________________

(1). النور: 58.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 8

اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللّٰهُ لَكُمْ آيٰاتِهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. «1»

أمر سبحانه: العبيد و الإماء و الأطفال أن يستأذنوا إذا أرادوا الدخول إلى مواضع الخلوات. فقوله: الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ إشارة إلى العبيد و الإماء، و قوله: وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ إشارة إلى الأطفال غير البالغين.

و أمّا مواضع الخلوة، فهي عبارة عن الأوقات الثلاثة من أوقات ساعات الليل و النهار و فسّرت بالشكل التالي:

1. مِنْ قَبْلِ صَلٰاةِ الْفَجْرِ حيث إنّ الإنسان يبيت عريانا أو بلباس النوم.

2. وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيٰابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ للنوم أو للترويح عن أنفسهم نتيجة الإرهاق و التعب الذي يصيبهم.

3. وَ مِنْ بَعْدِ صَلٰاةِ الْعِشٰاءِ حينما يأوي الرجل إلى امرأته و يخلو بها.

فهذه الأوقات الثلاثة التي أمر اللّه سبحانه الإماء و العبيد و الأطفال بالاستئذان عند الدخول و سمّاها ثَلٰاثُ عَوْرٰاتٍ لَكُمْ.

نعم رفع عنهم أيّ جناح في غير هذه الأوقات الثلاثة، و قال: لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لٰا عَلَيْهِمْ جُنٰاحٌ بَعْدَهُنَّ أي بعد هذه

الأوقات الثلاثة، ثمّ بيّن وجه رفع الجناح، بقوله: طَوّٰافُونَ عَلَيْكُمْ أي هؤلاء الخدم و الأطفال يطوفون بعضهم على بعض، فلا يمكن الاستئذان في كلّ دخول.

______________________________

(1). النور: 59.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 9

و أمّا الآية الثانية فقد أمر سبحانه الطائفتين بالاستئذان على وجه الإطلاق، و هما: البالغون من الأطفال حيث قال: وَ إِذٰا بَلَغَ الْأَطْفٰالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ، و الأحرار الكبار كما قال سبحانه: كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. «1»

فحصيلة الآيتين: انّ العبيد و الإماء و غير البالغين يستأذنون في ساعات الليل و النهار ثلاث مرات، و أمّا البالغون و الكبار الأحرار يستأذنون في جميع الأوقات، هذا ما يرجع إلى تفسير الآية حسب ظاهرها.

و لصاحب الكشاف هنا كلام قيّم نأتي بنصه، قال: كان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته حيّيتم صباحا، و حيّيتم مساء، ثمّ يدخل فربّما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد، فصدّ اللّه عن ذلك، و علّم الأحسن و الأجمل، و كم من باب من أبواب الدين هو عند الناس كالشريعة المنسوخة، قد تركوا العمل به، و باب الاستئذان من ذلك بينا أنت في بيتك إذا رعف عليك الباب بواحد من غير استئذان و لا تحية من تحايا إسلام و لا جاهلية، و هو ممّن سمع ما أنزل اللّه فيه و ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و لكن أين الأذن الواعية؟! «2»

______________________________

(1). إشارة إلى ما ورد في الآية 27 أعني قوله سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّٰى تَسْتَأْنِسُوا. لاحظ الميزان.

(2). الزمخشري: الكشاف: 2/ 69.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 10

ما هو المراد من بلوغ الحلم؟

اشارة

قد عرفت أنّ الاستئذان في جميع

الأوقات منوط ببلوغ الحلم، و هو آية البلوغ، و لكن يجب تحقيق معناه، فنقول: هنا عدّة احتمالات:

أ. أن يكون المراد من الحلم هو العقل الذي يحصل بعد التمييز،

فهناك طفولية، و تمييز و تعقّل، فالبالغ رتبة العقل يستأذن في جميعها، و يؤيده استعمال الحلم في القرآن بمعنى العقل، قال سبحانه: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلٰامُهُمْ بِهٰذٰا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طٰاغُونَ. «1»

ب. أن يكون المراد هي الرؤية في المنام،

و في القاموس: الحلم بالضم، و الاحتلام: الجماع في النوم سواء خرج منه المني أم لا.

ج. الاحتلام كناية عن خروج المنيّ،

و هو الذي عبّر به الفقهاء كالمحقق في الشرائع سواء كان في اليقظة أو في المنام، و لا خصوصية للاحتلام أي الجماع في النوم، فإنّه قد يتحقّق بدون خروج المني، كما أنّ خروج المني قد يتحقّق بدونه، فالعبرة حينئذ في البلوغ بخروج المني دون الرؤية في المنام.

د. أن يكون المراد هو الاستعداد لخروج المني بالقوة القريبة من الفعل،

و ذلك بتحريك الطبيعة و الاحساس بالشهوة، سواء انفصل المني معه عن الموضع المعتاد أم لم ينفصل، لكن بحيث لو أراد ذلك بالوطء أو الاستمناء تيسر له و كون الخروج شرطا في الغسل لا يقتضي كونه كذلك في البلوغ،

______________________________

(1). الطور: 32.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 11

ضرورة دوران الأمر في الأوّل على الحدثية المتوقف صدقها و لو شرعا على الخروج، بخلاف الثاني الذي هو أمر طبيعي لا يختلف بظهور الانفصال و عدمه. «1»

هذه هي المحتملات، و الأوّل بعيد جدا، لأنّ تعليق الحكم على أمر معنوى (العقل) في مجال الأطفال يوجب الفوضى، و ربما يقع الإنسان في حيرة من أمره عند تطبيق الضابطة على المورد، و انّ هذا الطفل هل بلغ من العقل، مبلغ الرجال الموضوع للحكم أو لا؟

و أمّا الثاني فالآية تقسم الأولاد إلى قسمين:

1. الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ.

2. الّذين بلغوا الحلم.

و القسم الثاني بما أنّهم بلغوا الحلم، فهم المسؤولون عن تطبيق الحكم على الموضوع، و أمّا القسم الأوّل فبما أنّهم غير مكلّفين، فالأولياء هم المسؤولون عن تطبيق الحكم على الموضوع، فإذن يجب أن يكون الموضوع أمرا ظاهرا بيّنا وجودا و عدما، و الرؤية الجنسية التي هي التفسير الثاني للآية أمر خفي لا يطّلع عليه الأولياء بسهولة حتى يميّزوا البالغين للحلم عن غيرهم.

و بذلك يعلم عدم صحّة الوجه الرابع، لأنّ استكشاف الاستعداد و عدمه أمر صعب، فمن

أين يقف الولي على انّه مستعد للجماع أو لا؟

فيتعين المعنى الثالث، و عليه بعض الروايات كما سيوافيك.

______________________________

(1). النجفي: الجواهر: 26/ 11.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 12

و إن أبيت فالمعنيان: الثالث و الرابع من جهة القرب سواء.

فإن قلت: إذا كان خروج المني هو الملاك، فجعله علامة للبلوغ أمر لغو، و ذلك لتأخره عن الخمس عشرة سنة الذي هو الحدّ عند المشهور للبلوغ السنّي.

قلت: إنّ تأخر الاحتلام أمر غالبي و ليس أمرا دائميا، كما يقول صاحب الجواهر:

و لقد شاهدنا من احتلم في ثلاث عشرة سنته و اثنتي عشرة سنته، و قال بعض الأفاضل: ينبغي القطع بالإمكان في الثلاث عشرة فما فوقها لقضاء العادة بالاحتلام في ذلك غالبا. «1»

روي مرفوعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «يثغر الغلام لسبع سنين، و يؤمر بالصلاة لتسع، و يفرق بينهم في المضاجع لعشر، و يحتلم لأربع عشرة». «2»

و لقد حدّثني بعض زملائي أنّه احتلم و له من العمر عشر سنين.

على أنّه لا يكون لغوا، لأنّ الرجوع إلى الاحتلام إذا جهل السن، و إلّا فلو علم السن فيحكم بالبلوغ، و أمّا إذا جهل فالاحتلام يكشف عن البلوغ الحادث به أو السابق عليه.

______________________________

(1). النجفي: الجواهر: 26/ 13.

(2). الوسائل: الجزء 15، الباب 74، من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 5.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 13

الثاني: بلوغ النكاح

قال سبحانه: وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ وَ لٰا تَأْكُلُوهٰا إِسْرٰافاً وَ بِدٰاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كٰانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذٰا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ حَسِيباً. «1»

اتّفق الفقهاء على أنّه لا يدفع مال اليتيم إلّا

بعد البلوغ و استئناس الرشد، فقد عبّرت الآية عن الشرط الأوّل ببلوغ النكاح و هو في اللغة بمعنى الوطء، و لا شكّ انّه لا يشترط إذا علم البلوغ و الرشد، فلا محالة يفسّر بما فسّرت به الآية الأولى، و هو خروج المني كما هو المختار، أو قابليته على النكاح و الوطء و هو الاحتمال الرابع فيها.

الثالث: بلوغ الأشد

جاء بلوغ الأشد في غير واحد من الآيات:

قال سبحانه: وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّٰى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ. «2»

و قال سبحانه: وَ لَمّٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنٰاهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. «3»

______________________________

(1). النساء: 6.

(2). الأنعام: 152.

(3). يوسف: 22.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 14

و قال عزّ و جلّ: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ. «1»

و قال عزّ و جلّ: وَ لَمّٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوىٰ آتَيْنٰاهُ حُكْماً وَ عِلْماً. «2»

و قال سبحانه: ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً. «3»

و قال عزّ و جلّ: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ إِحْسٰاناً- إلى أن قال:- حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. «4»

و الآية الثانية نزلت في يوسف، و الرابعة في موسى، و غيرهما في نوع الإنسان.

و المراد من بلوغ الأشد بلوغه من القوة، الذي يكون مبدؤه الاحتلام و نهايته بلوغ الأربعين، و لأجل ذلك ترى انّه جمع في سورة الأحقاف بين بلوغ الأشد و بلوغ الأربعين.

و الآية الثالثة تدل على أنّ بلوغ الأشد، خروج عن الطفولية، و دخول في البلوغ؛ كما أنّ الآية الخامسة تقسم حياة الإنسان إلى ثلاثة مراحل:

الطفولة، و بلوغ الأشد، و الشيخوخة. و هي تدل على أنّ البلوغ أمر تدريجيّ له مراتب من القوة و الشدّة، و إنّ الشارع

جعل المرتبة البدائية منه، موضوعا للأحكام.

______________________________

(1). الحج: 5.

(2). القصص: 14.

(3). غافر: 67.

(4). الأحقاف: 15.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 15

و على ضوء ذلك فالآيات المذكورة تنطبق على الاحتلام الملازم لخروج المني من دون فرق بين خروجه حين اليقظة أو المنام، و لا يستفاد من الآيات أزيد من ذلك، و قد أشار القرآن إلى علامة واحدة واضحة للبلوغ و هي الاحتلام، و لا ينافيه وجود علامات أخرى له.

البلوغ في السنّة

اشارة

و قد وردت علامات للبلوغ في السنّة الشريفة:

1. الاحتلام.

2. الإنبات.

3. السن.

فلنتناول كلّ واحدة منها بالبحث، فنقول:

1. الاحتلام

لقد تضافرت الروايات على أنّ الاحتلام من أمارات البلوغ، و قد عبّر عنه في الروايات، تارة بالفعل الماضي، أعني: قوله: «إذا احتلم». أو بالمصدر، أعني: قوله: إِذٰا بَلَغَ الْأَطْفٰالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ، كما نلاحظه من الروايات التالية:

1. ما في خبر طلحة بن زيد، من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فإذا بلغوا

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 16

الحلم كتبت عليهم السيئات. «1»

2. ما في رواية حمران من قول أبي جعفر عليه السّلام: «لا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم، أو يشعر، أو ينبت». «2» و الإنبات هو وجود الشعر في العانة، بخلاف الأوّل و هو وجوده في غيرها.

إلى غير ذلك من الروايات. «3»

و الروايات تعاضد الآية، حيث إنّ البلوغ أمر تدريجي، فلو احتلم قبل السن يحكم ببلوغه، و أمّا إذا احتلم بعد السن فيكشف عن بلوغه السابق.

و الظاهر من الروايات و كلمات الفقهاء عدم الفرق بين الذكر و الأنثى.

قال المحقّق: من علامات البلوغ خروج المني الذي يكون منه الوالد من الموضع المعتاد و يشترك في هذا، الذكور و الإناث. «4»

و قال العلّامة في «القواعد»: الثاني خروج المني الذي يكون منه الولد من الموضع المعتاد سواء الذكر و الأنثى. «5»

و قال السيد الطباطبائي في العروة: المرأة تحتلم كالرجل، و لو خرج منها المني حينئذ وجب عليها الغسل، و القول بعدم احتلامهن ضعيف. «6»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 4، من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 1، 2، 9، 11، 12.

(2). الوسائل: الجزء 1، الباب 4، من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 1، 2، 9، 11، 12.

(3). الوسائل: الجزء

1، الباب 4، من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 1، 2، 9، 11، 12.

(4). نجم الدين الحلي: الشرائع: 2/ 351، كتاب الحجر.

(5). القواعد على ما في مفتاح الكرامة: 5/ 267.

(6). الطباطبائي: العروة الوثقى، فصل في غسل الجنابة، المسألة 6.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 17

و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل، قال: «إن أنزلت فعليها الغسل، و إن لم تنزل فليس عليها الغسل». «1»

و مع هذا الدعم من الفقهاء و الروايات على احتلام المرأة، نجد انّ ثلّة من علماء الطبيعة ينفون أن يكون للمرأة منيّا، بل يرون انّ لها بويضة تتلاقح مع الحيوان المنوي، و ليس لها سائل دافق باسم المني، و ما يشاهد من السوائل عند الملاعبة فليس منيّا لها. و اللّه العالم.

2. الإنبات:

و المراد إنبات الشعر على العانة من دون فرق بين الذكر و الأنثى، قال الشيخ في الخلاف: الإنبات دلالة على بلوغ المسلمين و المشركين.

و قال أبو حنيفة: الإنبات ليس بدلالة على بلوغ المسلمين و لا المشركين و لا يحكم به بحال.

و قال الشافعي: هو دلالة بلوغ المشركين و في دلالته على بلوغ المسلمين قولان.

دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم من غير تفصيل.

و أيضا ما حكم به سعد بن معاذ على بني قريظة، فإنّه قال: حكمت بأن يقتل مقاتلهم، و يسبى ذراريهم و أمر بأن يكشف عن عورتهم، فمن نبت فهو من المقاتلة، و من لم ينبت فهو من الذراري، فبلغ ذلك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقال:

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 7 من أبواب الجنابة، الحديث 5، راجع سائر أحاديث الباب.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص:

18

«لقد حكم سعد بحكم اللّه من فوق سبع سماوات» و روي «سبعة أرفعة». «1»

و العجب من بعضهم التفريق في هذه العلامة بين المشرك و المسلم. و هل العلامة مطلق إنبات الشعر و لو في الوجه و تحت الإبط و الصدر أو نباته على العانة فقط؟ و يذكر الأطباء الثانية الإنبات على العانة) على اعتقاد منهم بأنّ إنبات الشعر على العانة له صلة بالقابلية على الإنجاب، و قد وردا في بعض الروايات معا- كما مرّ- قوله: أشعر أو أنبت قبل ذلك.

ثمّ الظاهر من إطلاق معقد الإجماع انّه علامة البلوغ مطلقا من غير فرق بين الذكر و الأنثى و من فرّق بينهما، فقد بلا وجه.

هذه هي العلامات العامة المشتركة بين الذكر و الأنثى، بقي الكلام في العلامة الخاصة لكل منهما و هي السن، و قد ألّفنا الرسالة لإيضاح هذا الجانب.

3. السن:

اشارة

يقع الكلام في مقامين: سن البلوغ في الذكر، و سنّ البلوغ في الأنثى.

______________________________

(1). الطوسي: الخلاف: 3/ 281، المسألة 1، كتاب الحجر.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 19

المقام الأوّل: سن البلوغ في الذكر

اشارة

لا شكّ انّ السن علامة للبلوغ و قد تضاربت أقوال السنّة، و القول المشهور عند الشيعة هو بلوغه خمس عشرة سنة، و لا بأس بنقل كلمات الفريقين:

1. قال الشيخ في الخلاف: يراعى في حدّ البلوغ في الذكور بالسن خمس عشرة سنة، و به قال الشافعي، و في الإناث تسع سنين، و قال الشافعي: خمس عشرة سنة مثل الذكور.

و قال أبو حنيفة: الأنثى تبلغ باستكمال سبع عشرة سنة، و في الذكور عنه روايتان:

إحداهما: يبلغ باستكمال تسع عشرة سنة، و هي رواية الأصل.

و الأخرى: ثمان عشرة سنة، و هي رواية الحسن بن زياد اللؤلؤي.

و حكي عن مالك أنّه قال: البلوغ بأن يغلظ الصوت، و أن ينشق الغضروف و هو رأس الأنف، و أمّا السن فلا يتعلق به البلوغ. و قال داود: لا يحكم بالبلوغ بالسن. «1»

2. و قال العلّامة: الذكر و المرأة مختلفان في السن، فالذكر يعلم بلوغه بمضي خمس عشرة سنة، و الأنثى بمضي تسع سنين عند علمائنا، و ممّن خالف بين الذكر و الأنثى أبو حنيفة، و سوّى بينهما الشافعي و الأوزاعي و أبو ثور و أحمد بن حنبل و محمد و أبو يوسف، و قالوا: حدّ بلوغ الذكر و الأنثى بلوغ خمس عشرة سنة.

______________________________

(1). الطوسي: الخلاف: 3/ 282، المسألة 2، كتاب الحجر.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 20

و قال أبو حنيفة: حدّ بلوغ المرأة سبع عشرة سنة بكلّ حال، و له في الذكر روايتان، إحداهما سبع عشرة سنة أيضا، و الأخرى ثمان عشرة كاملة.

و قال

أصحاب مالك: حدّ البلوغ في المرأة سبع عشرة سنة، و ثمان عشرة سنة. «1»

و أمّا أقوال أصحابنا فالظاهر انّها لا تتجاوز عن الثلاثة:

1. انّه الخمس عشرة سنة، و هو القول المشهور الذي كاد أن يكون مورد الاتفاق قبل ظهور الأردبيلي قدّس سرّه نعم مال هو في آخر كلامه إلى غيره.

2. انّه الأربع عشرة سنة، نسبه العلّامة إلى ابن الجنيد في مختلف الشيعة و قال: استدل ابن الجنيد بحديث أبي حمزة الثمالي و ظاهر عبارته أنّ المستدل هو ابن الجنيد، لا العلّامة.

3. انّه الثلاث عشرة سنة، و هو مختار الشيخ في قضاء النهاية، قال في باب «جامع من القضايا و الأحكام» روى عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام قلت له: في كم تجري الأحكام على الصبيان؟

قال: «في ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة ...». «2» و المعروف انّ النهاية هو كتاب الفتوى بتجريد المنقول عن الأسانيد، و لكنّه عدل عنه في كتاب الخلاف كما سيوافيك.

و أمّا القول بالعشر سنين فلا صلة له بالبلوغ و إنّما أجاز الشيخ و غيره وصية الصبي إذا بلغ العشر سنين، كما سيوافيك بيانه.

______________________________

(1). ابن المطهر الحلي: تذكرة الفقهاء: 2/ 74، كتاب الحجر.

(2). الطوسي: النهاية: 354.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 21

هذه هي الأقوال و لنذكر خصوص من ادّعى الإجماع أو الاتّفاق أو الشهرة بالنسبة إلى القول الأول:

1. قال الشيخ في الخلاف: يراعى في حدّ البلوغ في الذكور بالسن خمس عشرة سنة، و به قال الشافعي، إلى أن قال: دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم. «1»

2. و قال الطبرسي في تفسير قوله سبحانه: وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ «2» قال أصحابنا: حدّ البلوغ إمّا كمال خمس عشرة

سنة، أو بلوغ النكاح، أو الإنبات. «3»

3. قال ابن إدريس: و الاعتماد عند أصحابنا على البلوغ في الرجال و هو إمّا الاحتلام، أو الإنبات في العانة، أو خمس عشرة سنة و في النساء الحيض أو الحمل أو تسع سنين. «4»

4. و قال ابن زهرة: حدّ السن في الغلام خمس عشرة سنة، و في الجارية تسع سنين بدليل الإجماع المشار إليه. «5»

5. قال العلّامة في التذكرة: السن عندنا دليل على البلوغ، و به قال جماهير العامة كالشافعي و الأوزاعي و أبي حنيفة و أصحابه و أحمد بن حنبل، لما رواه العامة عن ابن عمر: قال: عرضت على رسول اللّه في جيش و أنا ابن ثلاث عشرة سنة فردّني، و عرضت عليه يوم أحد و أنا ابن أربع عشرة سنة فردّني، و عرضت عليه عام الخندق و أنا ابن خمس عشرة سنة فقبلني.

______________________________

(1). الطوسي: الخلاف: 3/ 282، كتاب الحجر، المسألة 2.

(2). النساء: 6.

(3). الطبرسي: مجمع البيان: 3/ 16.

(4). ابن إدريس: السرائر: 2/ 199، نوادر كتاب القضاء.

(5). ابن زهرة: الغنية: 215، كتاب الحجر.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 22

و عن أنس عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة، كتب ما له و ما عليه و أخذت منه الحدود.

و قال تحت قوله: تذنيب: لا يحصل البلوغ بنفس الطعن في سن الخامس عشر إذا لم يستكملها عملا بالاستصحاب و فتوى الأصحاب. «1»

6. و قال أيضا: المشهور انّ حدّ البلوغ في الصبي خمس عشرة سنة.

و قال ابن الجنيد أربع عشرة سنة. «2»

7. و قال الفاضل الآبي: السن و في كميته اختلاف و العمل على أنّه خمس عشرة سنة، و لعلّ ما

وردت بدون ذلك من الروايات محمولة على ما إذا احتلم أو أنبت في تلك السنة فإنّا نشاهد من احتلم في اثني عشرة و ثلاث عشرة سنة. «3»

8. و قال ابن فهد: في الحدّ الذي يعرف به بلوغ الذكر للأصحاب أقوال ثلاثة: المشهور خمس عشرة، ثمّ ذكر رواية حمزة بن حمران، ثمّ ذكر القول الثاني و هو ثلاث عشرة إلى أربع عشرة و لم يذكر القول الثالث إلّا بالإشارة و هو القول بالعشرة و سيوافيك انّه مختص بنفوذ الوصية. «4»

9. و قال الفاضل المقداد: في تفسير قوله تعالى: حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ أو يبلغ خمس عشرة سنة عندنا. «5»

10. و قال الشهيد الثاني: في شرح قول المحقّق «و بالسن» و هو بلوغ

______________________________

(1). ابن المطهر: التذكرة: 74- 75، كتاب الحجر، البحث الثاني في السن.

(2). ابن المطهر: المختلف: 5/ 431، كتاب الحجر، ط مؤسسة النشر الإسلامي.

(3). الفاضل الآبي: كشف الرموز: 1/ 552، كتاب الحجر.

(4). ابن فهد: المهذّب البارع: 2/ 517- 518.

(5). الفاضل المقداد: كنز العرفان: 2/ 103.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 23

خمس عشرة سنة للذكر، و في أخرى إذا بلغ عشرا و كان بصيرا، قال و المشهور بين أصحابنا بل كاد أن يكون إجماعا هو الأوّل و يعتبر إكمال السنة الخامسة عشرة، و أمّا رواية بلوغ العشر في جواز الوصية فهي صحيحة و في معناها روايات إلّا أنّها لا تقتضي البلوغ. «1»

هؤلاء من أفتوا بالخمس عشرة سنة و ادّعوا عليه الإجماع أو الشهرة و أمّا الذين أفتوا بالخمس عشرة سنة و لم يدّعوا عليه الإجماع فحدّث عنه و لا حرج، فقد نقله السيد العاملي، عن كثير من الكتب الفقهية، و من أراد فليرجع إلى «مفتاح

الكرامة». «2»

دليل القول المشهور

و لنتناول دليل القول المشهور بالبحث ثمّ نعد إلى القولين الآخرين.

و اعلم أنّه يدلّ على القول المشهور أمور:

1. خبر حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام: قلت له متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة، و يقام عليه و يؤخذ بها؟ قال: «إذا خرج عنه اليتم و أدرك» قلت: فلذلك حدّ يعرف به؟ فقال: «إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة، أو أشعر، أو أنبت قبل ذلك، أقيمت عليه الحدود التامة و أخذ بها و أخذت له- إلى أن قال:- و لا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم، أو يشعر، أو ينبت قبل ذلك». «3»

______________________________

(1). زين الدين العاملي: المسالك: 4/ 144، كتاب الحجر.

(2). العاملي، مفتاح الكرامة: 5/ 238، كتاب الحجر.

(3). الوسائل: الجزء 1، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 2.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 24

و في سند الرواية 1. عبد العزيز العبدي 2. حمزة بن حمران، 3. حمران.

أمّا الأخير فهو حمران بن أعين يصفه أبو غالب الزاري، بقوله: لقي سيدنا سيد العابدين علي بن الحسين عليه السّلام، و كان من أكبر مشايخ الشيعة المفضّلين الذين لا يشك فيهم، و كان أحد حملة القرآن، و من بعده يذكر اسمه في القراءات. «1»

و أمّا الثاني، فلم يرد في حقّه مدح و لا ذم، و لكن رواية المشايخ كصفوان و ابن أبي عمير، و جمع كثير من الأكابر عنه «2»، يورث الوثوق.

و أمّا الأوّل فضعّفه النجاشي قائلا: كوفي روى عن أبي عبد اللّه، ضعيف ذكره ابن نوح، له كتاب، يرويه جماعة- إلى أن قال:- عن الحسن بن محبوب بن عبد العزيز بكتابه. «3» و يحتمل جدا أن يكون

تضعيفه لوجود الغلو في عقيدته الذي لا ينافي صدق لسانه و يؤيده احتمال اتحاده مع عبد العزيز بن عبد اللّه الذي روى الاربليّ في كشف الغمة ما يدل على وجود الغلو فيه. «4» و على كلّ تقدير فالرواية صالحة للتأييد بل للاستدلال، و سنعود إليها أيضا عند الكلام في بلوغ الأنثى.

2. صحيح يزيد الكناسي قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: متى يجوز للأب أن يزوج ابنته و لا يستأمرها؟ قال: إذا جازت تسع سنين- إلى أن قال:- قلت: فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية؟ فقال: «يا أبا خالد انّ

______________________________

(1). قاموس الرجال: 4/ 13 و 28.

(2). قاموس الرجال: 4/ 13 و 28.

(3). قاموس الرجال: 6/ 179.

(4). قاموس الرجال: 6/ 178.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 25

الغلام إذا زوّجه أبوه و لم يدرك كان بالخيار إذا أدرك و بلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك». «1»

و السند لا غبار عليه إلّا في الأخير، و أمّا يزيد فهو أبو خالد القماط الذي ترجمه النجاشي، و قال: يزيد أبو خالد القماط كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللّه له كتاب يرويه جماعة. «2» و لم يصفه النجاشي بالكناسي.

و لكن وصف في سند الرواية بالكناسي الذي عنونه الشيخ و لم يوثقه، و تحتمل وحدة الراويين فيكون ثقة، و يحتمل تعددهما بشهادة انّه لو كان الوارد في رجال النجاشي هو نفس ما عنونه الشيخ، كان عليه، وصفه بالكناسي لأنّ اشتهاره به كما يظهر من الشيخ، يوجب ذكره.

و الذي يدل على التعدّد، اختلاف من يروي عنهما، فيروي عن يزيد أبي خالد القماط: 1. درست بن منصور، 2. علي بن عقبة، 3. إبراهيم بن

عمر، 4. خالد بن نافع، 5. صالح بن عقبة، 6. صفوان بن يحيى، 7. محمد ابن أبي حمزة، 8. محمد بن سنان، 9. يحيى بن عمران، 10. ثعلبة.

و يروي عن يزيد الكناسي: 1. هشام بن سالم، 2. أبو أيوب، 3.

جميل بن صالح، 4. حسن بن محبوب، 5. علي بن رئاب.

و لو كان الاسمان لمسمّى واحد، يلزم اشتراكهما فيمن يروى عنهما في الغالب.

مضافا إلى ما في المتن من التفصيل الغريب حيث حكم انّ الجارية البالغة إذا عقدت بعد البلوغ فليس لها الخيار، بخلاف غير البالغة و هو

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 14، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 9.

(2). النجاشي: الرجال: رقم 1224.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 26

عجيب جدا و لأجل ذلك أعرض عنه المشهور. «1» نعم ورد في الوسائل اسم «بريد» مكان «يزيد» و هو تصحيف قطعا، لأنّ كلّ من كنّي ب «أبي خالد»، فاسمه يزيد كأبي خالد الأعور، و أبي خالد البزاز، و على كلّ تقدير لم يثبت أن يزيد الكناسي الوارد في الرواية و الذي عنونه الشيخ و لم يوثّقه، نفس ما عنونه النجاشي باسم يزيد أبو خالد القماط و وثقه فالرواية صالحة للتأييد لا للاحتجاج كالرواية السابقة.

3. ما رواه يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام و فيه: أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه (فيؤخذ بذلك ما بينه و بين خمس عشرة سنة) و لا تبطل حدود اللّه في خلقه و لا تبطل حقوق المسلمين بينهم. «2» و المذكور بين الهلالين رواه الشيخ في التهذيب دون الكليني، أضف إليه، انّه يحتمل وحدة الروايتين و إن اختلفتا في اللفظ كثيرا

و تؤيده وحدة السند في ما روي في باب النكاح و ما روي في باب الحدود، فعدّه رواية ثالثة كما في الجواهر لا يخلو من تأمّل.

هذه هي الروايات التي عرفت حالها، و لأجل ذلك قال الأردبيلي:

و بالجملة ما رأيت خبرا صحيحا صريحا في الدلالة على خمس عشرة سنة فكيف في إكماله؟ «3»

و لكن في الشهرة المحقّقة و الإجماعات المدعاة غنى و كفاية، و قد حقّقنا في الأصول انّ الشهرة الفتوائية بنفسها حجّة شرعية، و كان أصحاب

______________________________

(1). لاحظ كتابنا: نظام النكاح في الشريعة الإسلامية: 1/ 169.

(2). الوسائل: الجزء 18، الباب 6 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(3). مجمع الفائدة: 9/ 188.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 27

الإمام الصادق، يقدّمونها على النص المسموع من الإمام لاحتمال التقيّة في المسموع دون المشهور بين أصحابه، فلاحظ. «1»

و كم له من شواهد في الروايات النبوية و فقه السيرة النبوية نأتي بها:

1. «فإذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله، و ما عليه، و أخذ منه الحدود». «2»

2. انّ عبد اللّه بن عمر عرض على النبي عام بدر و هو ابن ثلاث عشرة سنة فردّه، و عرض عليه عام أحد و هو ابن أربع عشرة سنة فردّه، و لم يره بالغا، و عرض عليه عام الخندق و هو ابن خمس عشرة سنة فأجازه في المقاتلة. «3»

3. عرض على النبي يوم أحد: أسامة بن زيد، و زيد بن ثابت و استيذن ظهير فردهم، ثمّ أجازهم يوم الخندق و هم أبناء خمس عشرة سنة و انّ من جملة من ردّ في ذلك اليوم البراء بن عازب و أبو سعيد الخدري، و زيد ابن أرقم. «4»

4. و يمكن استفادة القول المشهور من

صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في كم يؤخذ الصبيّ بالصيام؟ قال: «ما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة، فإنّ هو صام قبل ذلك فدعه، و لقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته». «5»

______________________________

(1). المحصول: 3/ 214.

(2). الخلاف: الجزء 3، كتاب الحجر، المسألة 2.

(3). سنن البيهقي: 6/ 55.

(4). عيون الأثر، كما في الجواهر: 26/ 25.

(5). الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 1.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 28

و المراد من قوله: «كم يؤخذ الصبيّ بالصيام» أي يؤمر به لئلّا يشقّ له بعد البلوغ.

و لا غبار في السند، و أمّا تقديم خمس عشرة سنة على أربع عشرة سنة، فلعلّه من تصرف الراوي، و قد عبر الصدوق في «المقنع» بقوله: روي أنّ الغلام يؤخذ بالصوم ما بين أربع عشرة سنة إلى خمس عشرة سنة إلّا أن يقوى قبل ذلك. «1»

و على ضوء ذلك فقد كان تعبير الإمام بالنحو التالي:

«ما بينه و بين أربع عشرة سنة إلى خمس عشرة سنة» و من المعلوم أنّه يشتد الأخذ حسب بلوغه و طعنه في العمر.

وجه الاستدلال: انّ الرواية بصدد بيان وظيفة الولي و أنّها تنتهي ببلوغ الصبي الخمس عشرة و لازمه استقلال الصبي و انتهاء ولاية الوليّ، و هو يلازم البلوغ.

و يدلّ على ما ذكرنا صدر هذه الرواية المروية في الوسائل في أبواب أعداد الفرائض و نوافلها، جاء فيه: كم يؤخذ الصبي في الصلاة؟ قال: «ما بين سبع سنين و ست سنين». «2» و بما أنّ الصلاة أخف من الصوم يؤخذ الصبي في السنين الست أو السبع، و أمّا الصوم فيحتاج إلى قوّة و قدرة

فيؤخذ إذا بلغ أربع عشرة أو خمس عشرة، فدلالة الرواية على القول المشهور دلالة التزامية.

5. مرسلة عباس بن عامر، عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

______________________________

(1). الصدوق: المقنع: 195، كتاب الصوم، الباب 8.

(2). الوسائل: الجزء 3، الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض، الحديث 1.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 29

«يؤدّب الصبي على الصوم ما بين خمس عشرة سنة إلى ست عشرة سنة». «1»

وجه الاستدلال على القول المشهور على نحو ما مرّ في الرواية السابقة و هو أنّ الرواية بصدد بيان وظيفة الولي و أنّها تنتهي عند الست عشرة و معناه انتهاء الولاية و استقلاله في تصرفاته و هو يلازم البلوغ.

هذه هي الروايات التي تدل على القول المشهور إمّا بالدلالة المطابقية أو الالتزامية، و لعلّ المجموع يثبت القول المشهور و إن كان كلّ واحد غير خال عن الإشكال. نعم، لا محيص عن حمل الرواية الأخيرة على إكمال الخمس عشرة و الدخول في الست عشرة حتى تنطبق على الروايات السابقة و حملها على إكمال الست عشرة يستلزم تحقّق البلوغ بالدخول في السبع عشرة و لم يقل به أحد.

عرض الروايات المخالفة
اشارة

هناك روايات تدل على أنّ حدّ البلوغ هو الثلاث عشرة فإن أريد منه كمال العدد و الدخول في الأربع عشرة، تنطبق على قول ابن الجنيد إذا أراد- هو- من قوله أربع عشرة، الدخول في الرابع عشر، و هذه الروايات لا تتجاوز عن ثلاث:

1. خبر أبي حمزة الثمالي.

2. صحيح ابن سنان الذي روي بطرق ثلاثة و تنتهي الجميع إلى عبد اللّه بن سنان.

3. رواية عمار الساباطي.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 13.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 30

1. خبر أبي حمزة الثمالي

روى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قلت له: في كم تجري الأحكام على الصبيان؟ قال: «في ثلاث عشرة و أربع عشرة» قلت: فإن لم يحتلم فيها، قال: «و إن كان لم يحتلم، فإنّ الأحكام تجري عليه». «1»

و قوله: «كم تجري الأحكام» يعم العبادات و المعاملات و السياسات، و الإمام يركّز على السن بما هو سن، و انّه تجري عليه الأحكام إذا بلغ الثلاث عشرة، و حمله على ما إذا أنبت أو أشعر، كما عليه الشيخ الطوسي لرفع المعارضة بينها و ما دلّ على الخمس عشرة سنة خلاف الظاهر.

2. صحيح عبد اللّه بن سنان

و قد روي بأسانيد ثلاثة مع الاختلاف في المضمون، و إليك بيانها:

أ. صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله أبي و أنا حاضر عن قوله اللّه عزّ و جلّ: حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ «2» قال: «الاحتلام» قال: فقال: يحتلم في ست عشرة و سبع عشرة سنة و نحوها؟ فقال: «لا إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات و كتبت عليه السيئات، و جاز أمره إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا». «3»

و الرواية تعم العبادات و المعاملات بقرينة انّ السائل سأل عن تفسير قوله تعالى: حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ الذي ورد في المعاملات.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 13، الباب 45 من أحكام الوصايا، الحديث 3.

(2). الأحقاف: 15

(3). الوسائل: الجزء 13، الباب 44 من أحكام الوصايا، الحديث 8.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 31

قال سبحانه: وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّٰى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ. «1»

ب. صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ ثلاث عشرة سنة و دخل

في الأربع عشرة، وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم، و كتبت عليه السيئات، و كتبت له الحسنات و جاز له كلّ شي ء إلّا أن يكون ضعيفا أو سفيها». «2»

و الرواية تعم الأحكام و المعاملات بقرينة التركيز على بلوغ الأشد و في السند الحسن بن بنت الياس، و المراد منه هو الحسن بن علي بن زياد الوشاء الثقة الذي نقل عنه النجاشي في ترجمته، أنّه قال: لقد رأيت في هذا المسجد (مسجد الكوفة) تسعمائة رجل كلّ يقول: حدّثني جعفر بن محمد عليه السّلام.

ج. صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة و كتبت عليه السيئة و عوقب، و إذا بلغت الجارية تسع سنين كذلك و ذلك أنّها تحيض لتسع سنين». «3»

و الرواية قابلة للحمل على العبادات، و سيوافيك الكلام في ذيل الحديث.

3. رواية عمار الساباطي

روى الشيخ بسنده عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب (م/ 262 ه)

______________________________

(1). الأنعام: 152.

(2). الوسائل: الجزء 13، الباب 44 من أحكام الوصايا، الحديث 11.

(3). الوسائل: الجزء 13، الباب 44 من أحكام الوصايا، الحديث 12.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 32

عن أحمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن فضال الثقة، عن عمرو بن سعيد المدائني الثقة، عن مصدق بن صدقة الثقة، عن عمّار الساباطي الثقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال:

«إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جرى عليه القلم، و الجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت

عليها الصلاة و جرى عليها القلم». «1»

و الرواية معارضة لفتوى المشهور و هل هنا جمع دلالي بين الفريقين الظاهر، لا بل يجب الرجوع إلى المرجّحات؟ و أنّ الترجيح للصنف الأوّل لأنّه المشهور فتوى و نقلا، و سيوافيك بعض ما قيل من الجمع مع ما هو الحقّ في المقام.

نعم هناك روايات تدلّ على نفوذ وصية الصغير إذا بلغ عشر سنين.

روى أبو بصير المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «إذا بلغ الغلام عشر سنين و أوصى بثلث ماله في حقّ جازت وصيته و إذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقّ جازت وصيّته». «2»

و لكن الروايات لا تمّت إلى المقام بصلة، لأنّ نفوذ الوصية لا يدل على بلوغه حتى يحكم عليه بجميع الأحكام، و إنّما هو حكم خاص في باب الوصية، و قد عمل بتلك الروايات أكثر علمائنا كما حكاه الشيخ الحر العاملي في حاشيته على هذا الباب في كتاب «الوسائل»، حيث قال: أكثر

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 12.

(2). الوسائل: الجزء 13، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 2، و لاحظ الحديث 1، 3، 4، 5، 6، 7.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 33

علمائنا على صحّة وصيّة من بلغ عشرا، و ابن الجنيد على صحّة وصيّة الصبي لثمان و البنت لسبع لرواية الحسن بن راشد، ذكره في «التذكرة» و قد تقدّمت الرواية في كتاب الصدقات. «1»

و أمّا الجمع بين الروايات فهناك تقريبات مختلفة:

الأوّل: ما ذكره المحدّث البحراني: قال: فلا يبعد عندي في الجمع بين الأخبار المذكورة حمل ما دلّ على البلوغ بخمس عشرة على الحدود و المعاملات، كما هو مقتضى سياق رواية

حمران الدالّة على أنّ حدّ البلوغ هو الخمس عشرة سنة، و حمل ما دلّ على ما دون ذلك على العبادات. «2»

يلاحظ عليه: أنّ رواية ابن سنان التي هي الدليل المهم للقول المخالف (ثلاث عشرة) في المقام جاءت في مورد المعاملات حيث سأل السائل الإمام عن معنى بلوغ الأشد و فسّره عليه السّلام بالسن المذكور و اللفظة وردت في الآية في باب الأموال، قال سبحانه: وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّٰى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ. «3»

الثاني: حمل ما دلّ على أنّ سن البلوغ هو الخمس عشرة على باب الحدود.

يلاحظ عليه: أنّ رواية حمران التي هي الدليل المهم للقول بالخمس عشرة جاءت في مورد المعاملات أيضا، و قد جاء فيه قوله: و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة. «4» و هو دليل

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 13، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا، قسم التعليقة.

(2). البحراني: الحدائق: 13/ 185.

(3). الأنعام: 152.

(4). الوسائل: الجزء 1، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 2.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 34

على شموله لباب المعاملات أيضا.

أضف إلى ذلك انّ الظاهر من رواية علي بن الفضل الواسطي كفاية السن المزبور في تحليل المطلقة ثلاثا. «1»

الثالث: ما ذكره أيضا صاحب الحدائق بقوله: و يحتمل خروج بعضها مخرج التقية إلّا أنّه لا يحضرني الآن مذهب العامة في هذه المسألة. «2»

أقول: إنّ أحدا من العامة لم يذهب إلى القول بثلاث عشرة.

نعم، قال الشافعي و جماعة بأنّ سن البلوغ في الذكر هو الخمس عشرة.

الرابع: ما ذكره أيضا صاحب الحدائق بقوله: و يمكن أن يحمل الاختلاف في هذه الأخبار على اختلاف الناس في الفهم

و الذكاء و قوة العقل و قوة البدن، و لذا ورد في رواية الثمالي: «ثلاث عشرة و أربع عشرة». و في صحيحة معاوية بن وهب: «خمس عشرة و أربع عشرة» و لذا تراها أيضا اختلفت في الاحتلام، فظاهر موثقة عبد اللّه بن سنان انّ الاحتلام في ست عشرة و سبع عشرة و نحوهما، و ظاهر رواية عيسى بن يزيد انّه يحتلم لأربع عشرة، و ظاهر موثقة عمّار أنّه يحتلم قبل ثلاث عشرة، إلّا أنّه لا يبعد أن يكون هذا من قبيل ما يقع في رواياته من التهافتات و الغرائب كما يفهم منها أيضا من أنّ بلوغ الجارية إذا أتى لها ثلاث عشرة سنة مع استفاضة الأخبار و اتّفاق العلماء على أنّها تبلغ بتسع سنين أو عشر. «3»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 15، الباب 8 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

(2). الحدائق: 13/ 185.

(3). الحدائق: 13/ 184- 185.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 35

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره إنّما يصحّ إذا كان الدليل على البلوغ هو الاحتلام، و إنبات الشعر على العانة و لا شكّ أنّهما يختلفان حسب اختلاف الأمزجة.

إنّما الكلام في انسجامه مع القول بأنّ للبلوغ وراء الاحتلام و الإنبات دليلا آخر، و هو السن و قد اضطربت الروايات فيه، بين خمس عشرة إلى ثلاث عشرة، فتفسير الاختلاف بالاختلاف في الأمزجة يوجب الفوضى في المجتمع، فمن مصلّ و صائم في الثلاث عشرة بادّعاء انّه قويّ البنية، إلى تارك للصلاة و مفطر للصوم بادّعاء انّه ضعيف البنية.

و هناك جمع آخر للروايات المتعارضة أشار إليها الفيض الكاشاني في كتابه «مفاتيح الشرائع» حيث جعل للبلوغ مراتب باعتبار التكاليف غير أنّ كلامه ناظر إلى اختلاف الروايات في حقّ الأنثى، لا

في حق الذكر، و لأجل ذلك نأتي بنص كلامه في المقام الثاني.

و الحقّ أن يقال: إنّ المورد من الموارد التي يرجع فيه إلى المرجحات، و قد قررنا في محلّه أنّ المرجحات عند القوم على قسمين قسم تميّز به الحجّة عن اللاحجة كالشهرة العملية، و آخر ترجح به إحدى الحجتين على الأخرى كمخالفة العامة، أو موافقة الكتاب (على تأمّل في الأخير).

و المقام من قبيل القسم الأوّل، فإنّ ما دلّ على الخمس عشرة و إن كان لا يتجاوز عن روايتين لكنّهما مشهورتان رواية و فتوى، بخلاف الثانية فإنّها و إن امتازت بالشهرة الروائية، لكنها في الوقت نفسه غير مفتى بها، قد أعرض عنها المشهور من العلماء، و إمعان النظر في رواية عمر بن حنظلة و غيرها يثبت أنّ موافقة الشهرة من الأمور التي تضفي الحجّية للحديث

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 36

الموافق و تسلبها عن المخالف، و ليست الشهرة العملية كمخالفة العامة التي تميز الحجة الفعلية، عن الحجة الشأنيّة «1».

ثمّ إنّ ظاهر الأخبار و عبارات الأصحاب انّ المراد من الخمس عشرة هو إكمالها إذ لا يطلق على من دخل في الخمس عشرة انّه ذو سن كذا، قال الشهيد في المسالك: و يعتبر إكمال السنة الخامسة عشرة في الذكر و التاسعة في الأنثى فلا يكفي الطعن فيها عملا بالاستصحاب و فتوى الأصحاب، و لأنّ الداخل في السنة الأخيرة لا يسمّى ابن خمس عشرة سنة لغة و لا عرفا و الاكتفاء بالطعن فيها وجه للشافعية. «2»

بقي هنا أمور:
الأوّل: نسب إلى الصدوق أنّه قال بالثلاث عشرة للغلام

مع أنّ كلامه في المقنع لا يوافق الحكاية قال: اعلم أنّ الغلام يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيق، فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك

الوقت، فإذا غلب عليه الجوع و العطش أفطر، و إذا صام ثلاثة أيام ولاء أخذ بصوم الشهر كلّه.

و روي أنّ الغلام يؤخذ ما بين أربع عشرة سنة إلى خمس عشرة سنة إلّا أن يقوى قبل ذلك. «3»

و أنت ترى أنّه ليس بصدد بيان حدّ البلوغ و إنّما هو بصدد بيان

______________________________

(1). لاحظ كتاب المحصول في علم الأصول: 3/ 206- 214، للمؤلّف.

(2). زين الدين العاملي: المسالك: 1/ 255، كتاب الحجر.

(3). الصدوق، المقنع: 195، كتاب الصيام، الباب 8.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 37

وظيفة الولي و انّها تمتد إلى خمس عشرة سنة فالعبارة ظاهرة في دعم القول المشهور و لا دلالة لها على خلافه.

الثاني: استظهر المحقّق الأردبيلي من كتابي «التهذيب» و «الاستبصار» أنّ الشيخ قائل بأنّ حدّ البلوغ هو ثلاث عشرة سنة،

قال: و هو الظاهر من التهذيب و الاستبصار حيث ذكر فيهما رواية عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال: «إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإذا احتلم قبل ذلك فقد وجب عليه الصلاة و جرى عليه القلم، و الجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة أو حاضت قبل ذلك وجبت عليها الصلاة و جرى عليها القلم». «1»

ثمّ نقل بعد ذلك رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«إذا أتى على الصبي ست سنين وجبت عليه الصلاة، و إذا أطاق الصوم وجب عليه الصيام» «2».

ثمّ إنّه تصدى بتأويل الحديث الأخير دون الأوّل، و هذا يدل على أنّ الحديث الأوّل مختاره و إلّا لو كان الأوّل كالثاني كان عليه تأويلهما، و إليك نصّ كلام الشيخ في تأويل الحديث الثاني.

قال: قوله عليه السّلام: «إذا أطاق وجب عليه الصيام» محمول على التأديب دون الفرض، لأنّ الفرض إنّما يتعلّق وجوبه بحال الكمال على ما بيّناه،

و كذلك قوله عليه السّلام: «إذا أتى عليه ست سنين» و في الخبر الآخر «أو سبع سنين وجب عليه الصلاة» محمول على الاستحباب و التأديب، لأنّ الفرض يتعلّق

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 12.

(2). الوسائل: ج 3 الباب 3 من اعداد الفرائض، الحديث 4.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 38

بحال الكمال على ما بيّناه. «1»

يلاحظ على ما ذكره بأنّ الشيخ ذكر قبل الحديث الأوّل، حديث علي ابن جعفر و قد أنيط وجوب الصلاة و الصوم بمراهقة الحلم و هو يتأخّر عن الثلاث عشرة، قال: عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن الغلام متى يجب عليه الصوم و الصلاة؟ قال: إذا راهق الحلم و عرف الصلاة و الصوم».

و لعلّه اعتمد على هذا الحديث دون حديث إسحاق بن عمّار.

الثالث: يظهر من المحقّق الأردبيلي الجنوح إلى القول بالثلاث عشرة سنة،

قال: و ليس على إكمال خمس عشرة إجماع، فإنّ البعض ذهب إلى أنّ الشروع يكفي، و ذهب البعض إلى ثلاث عشرة، ثمّ ذكر كلام الشيخ في التهذيب الآنف الذكر، قال: و الظاهر انّ غيره أيضا ذهب إلى ثلاث عشرة من الذكور، فلا إجماع في عدم الوجوب إلّا بالحلم أو الإنبات أو خمس عشرة.

ثمّ استدل برواية معاوية بن وهب التي مرّت، هذا تمام الكلام في بلوغ الصبي، و إليك الكلام في بلوغ الصبية.

______________________________

(1). الأردبيلي: مجمع الفائدة و البرهان: 9/ 189 بتوضيح منا؛ التهذيب: 2/ 381، و الحديث الأوّل برقم 5 و الثاني برقم 8.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 39

المقام الثاني: سنّ البلوغ في الأنثى

اشارة

استقر المذهب الفقهي للشيعة على أنّ حدّ البلوغ للأنثى هو تسع سنين، و لو خالف فقيه في كتاب رجع عنه في كتاب آخر، و ربما يمكن الجمع بين بعض الأقوال، مثلا من قال بعشر سنين، فيراد منه إكمال التسع و لا يعلم إلّا بالدخول في العشر، و الشهرة الفتوائية بلغت حدّا لا حاجة إلى نقل كلمات الموافقين، و إنّما تلزم الإشارة إلى المخالف أو من تستشم من كلامه المخالفة، و مع ذلك ننقل بعض الكلمات من الفريقين:

1. قال الشيخ في «الخلاف»: يراعى في حدّ البلوغ في الإناث بالسن تسع سنين. «1»

ثمّ ادّعى الإجماع عليه و لم يذكر قولا آخر.

2. و قال في «نهايته»: و حدّ الجارية التي يجوز لها العقد على نفسها، أو يجوز لها أن تولّي من يعقد عليها تسع سنين فصاعدا. «2»

3. و قال في «المبسوط»: و أمّا البلوغ فهو شرط في وجوب العبادات الشرعية، و حدّه الاحتلام في الرجال، و الحيض في النساء، أو الإنبات، أو الاشعار، أو يكمل له خمس عشرة

سنة، و المرأة تبلغ عشرة سنين. «3»

و لا تنافي بين القولين كما عرفت.

______________________________

(1). الطوسي: الخلاف: 3/ 382، المسألة 2، كتاب الحجر.

(2). الطوسي: النهاية: 468، كتاب النكاح، باب من يتولى العقد على النساء.

(3). الطوسي: المبسوط: 1/ 266، كتاب الصوم، فصل في ذكر حقيقة الصوم.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 40

4. و قال ابن إدريس في «السرائر»: و المرأة تعرف بلوغها من خمس طرائق: إمّا الاحتلام، أو الإنبات، أو بلوغ تسع سنين، و قد ذكر شيخنا أبو جعفر رحمه اللّه في «مبسوطه» في كتاب الصوم عشر سنين «1»، و في «نهاية» تسع سنين و هو الصحيح، فإذا بلغتها و كانت رشيدة سلّم الوصي إليها مالها، و هو بلوغها الوقت الذي يصحّ أن تعقد على نفسها عقدة النكاح و يحل للبعل الدخول بها بغير خلاف بين الشيعة الاثني عشرية،- و الحيض و الحمل- و هكذا يذكر في الكتب، و المحصّل من هذا بلوغ التسع سنين، لأنّها لا تحيض قبل ذلك و لا تحمل قبل ذلك فعاد الأمر إلى بلوغ التسع سنين. «2»

5. و قال في «المبسوط» في كتاب الحجر: و أمّا السن فحدّه في الذكور خمس عشرة سنة، و في الإناث تسع سنين و روي عشر سنين. «3»

فقد أفتى في كتاب «النهاية» و كتاب الحجر من «المبسوط» بالتسع، و أفتى في كتاب الصوم من «المبسوط» بالعشر، و بما أنّ كتاب الحجر متأخر، وضعا عن الصوم فقد عدل عمّا في الصوم، أو أراد منه إكمال التسع الذي يعلم بدخول العشر.

6. و قال ابن سعيد: و بلوغ المرأة و الرجل بالاحتلام، و تختص المرأة بالحيض و بلوغ عشر سنين. «4» و لعلّه أراد الدخول في العشر ليكون دليلا

______________________________

(1).

سيوافيك أنّه عدل عنه في كتاب الحجر أيضا، و كأنّه قدّس سرّه لم يقف على عدوله في ذلك الكتاب.

(2). ابن إدريس الحلي: السرائر: 1/ 367، كتاب الصوم.

(3). الطوسي: المبسوط: 2/ 283- 284، كتاب الحجر.

(4). ابن سعيد: الجامع للشرائع: 153، كتاب الصوم.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 41

على كمال التسع.

7. و قال ابن حمزة: في كتاب الخمس: و بلوغ الرجل بأحد ثلاثة أشياء: الاحتلام، و الإنبات، و تمام خمس عشرة سنة، و بلوغ المرأة بأحد شيئين:

الحيض، و تمام عشر سنين. «1»

8. و لكنّه عدل عنه في كتاب النكاح المتأخر عنه وضعا، قال: و بلوغ المرأة يعرف بالحيض، أو بلوغها تسع سنين فصاعدا. «2»

9. و قال العلّامة في «التذكرة»: و الأنثى بمضي تسع سنين عند علمائنا. «3»

10. و قال المحقّق الأردبيلي في شرح قول العلّامة: «و ببلوغ تسع»:

و أمّا السن فالأخبار عليه كثيرة في النكاح حيث جوّز الدخول بعد التسع دون قبله، و هو مشعر بالبلوغ بعده لثبوت تحريم الدخول قبله عندهم- كأنّه- بالإجماع و يفهم من التذكرة كون البلوغ بتسع إجماعيا عندنا فتأمّل، كذا في الحدود، و في الأخبار المتقدمة أيضا دلالة عليه فافهم. «4»

11. و قال المحدّث البحراني: و بلوغ التسع بمعنى كمالها في الأنثى على المشهور. «5»

______________________________

(1). ابن حمزة: الوسيلة: 137، كتاب الخمس.

(2). ابن حمزة: الوسيلة: 301، كتاب النكاح.

(3). ابن المطهر: التذكرة: 2/ 75.

(4). الأردبيلي: مجمع الفائدة: 9/ 192، كتاب الديون. و قد تقدم عبارة التذكرة في الصبي.

(5). البحراني: الحدائق: 12/ 181.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 42

12. و قال في «الجواهر» في شرح قول المحقّق «و الأنثى تسع»: على المشهور بين الأصحاب بل هو الذي استقر عليه المذهب خلافا للشيخ في

صوم المبسوط، و ابن حمزة في خمس الوسيلة، فبالعشر إلّا أنّ الشيخ قد رجع عنه في كتاب الحجر فوافق المشهور، و كذا الثاني في كتاب النكاح منها بل قد يرشدك ذلك منهما إلى إرادة توقّف العلم بكمال التسع على الدخول على العشر. «1»

و قد علم من كلماتهم أنّ القول بالتسع هو المشهور، و انّه لم يثبت قائل بالعشر غير الشيخ و ابن حمزة و قد عدلا عن رأيهما فالشيخ عدل عنه في كتاب الحجر، و ابن حمزة عدل عنه في كتاب النكاح، و عبارة ابن سعيد قابلة للحمل على كمال التسع.

و هناك أقوال أخر منها:

1. بلوغ الأنثى، بثلاث عشرة سنة.

2. بلوغها بالطمث و الحيض.

3. للبلوغ مراتب حسب اختلاف الأحكام.

و إليك استعراض الأقوال واحدا تلو الآخر.

______________________________

(1). النجفي: الجواهر: 26/ 38.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 43

1 حدّ البلوغ في الأنثى هو تسع سنين
ثمة طوائف من الروايات تدلّ على أنّ حدّ البلوغ في الأنثى هو التسع سنين،
اشارة

و ليست دلالتها على نمط واحد، بل تدل على المطلوب بدلالات شتى، كما ستظهر، و إليك هذه الطوائف:

الطائفة الأولى: ما تدل على أنّ حدّ البلوغ في الأنثى هو التسع.

الطائفة الثانية: ما تدلّ على أنّ حدّ البلوغ ما أوجب على المؤمنين الحدود، و هو التسع.

الطائفة الثالثة: ما تدل على أنّها إذا بلغت التسع، يترتب عليها ما يترتب على البالغ من كتابة الحسنات و السيئات و إقامة الحدود، و جواز البيع و الشراء.

الطائفة الرابعة: ما تدلّ على أنّه لا يجوز الدخول بالزوجة ما لم تبلغ التسع.

الطائفة الخامسة: ما تدل على أنّ الدخول قبل التسع لو انتهى إلى العيب يضمنه الزوج أو الحاكم.

الطائفة السادسة: ما تدلّ على أنّ الدخول قبل التسع موجب للحرمة

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 44

الأبدية.

الطائفة السابعة: ما تدل على أنّ المطلّقة دون التسع تتزوّج على كلّ

حال.

الطائفة الثامنة: ما تدلّ على أنّ المزوجة و لها تسع سنين ليست بمخدوعة، أو ليست بصبية.

الطائفة التاسعة: ما تدل على سقوط الاستبراء عمّن اشترى جارية صغيرة ما لم تبلغ، و تفسّره بنهاية التسع.

الطائفة العاشرة: ما تدل على أنّ الزوجة لها الخيار إذا زوجت قبل التسع دون ما زوجت بعدها.

هذه هي طوائف عشر تركّز على التسع، و تتخذه موضوعا لكثير من الأحكام، و تدل بالتواتر المعنوي على مدخليتها في الأحكام الشرعية، و الإعراض عن هذه الأخبار و القول بأنّ حدّ البلوغ هو الثلاث عشرة سنة، أو خصوص رؤية الدم ترك لما تواتر إجمالا عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام في مجال التحديد.

و بعبارة أخرى، اتّفقت كلمتهم- تبعا للنص- على أنّ عمد الصبيان خطأ. «1» و عمد الصبي و خطؤه واحد. «2» هذا من جانب و من جانب آخر، نرى في هذه الروايات الهائلة، الاعتبار بفعل الأنثى و قصدها إذا بلغت التسع في مختلف الأبواب، فيكشف عن خروجه عن حد الصبا و هو عين القول بالبلوغ.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 3.

(2). الوسائل: الجزء 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 2.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 45

و لعلّ بعض ما جاء في ضمن هذه الطوائف من الأحكام خاضع للنقاش، و لكنّه لا يسقطها عن الدلالة على أنّ التسع سنين، موضوع للأحكام التكليفية.

و إليك دراسة تلك الطوائف واحدة بعد الأخرى:

الطائفة الأولى: ما تدل على أنّ حدّ البلوغ في الأنثى هو التسع سنين

1. ما رواه الصدوق بسند صحيح في «خصاله» عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «حدّ بلوغ المرأة تسع سنين». «1»

2. ما رواه الكليني بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن رجل، عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام قال: قلت: الجارية ابنة كم لا تستصبى ... قال عليه السّلام:

«و أجمعوا كلّهم على أنّ ابنة تسع لا تستصبى إلّا أن يكون في عقلها ضعف و إلّا فإذا بلغت تسعا فقد بلغت». «2»

الطائفة الثانية: ما تدل على أنّ حدّ البلوغ هو ما أوجب اللّه على المؤمنين الحدود
اشارة

قد وردت روايات عديدة على أنّ ذات التسع تقام عليها الحدود.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 10.

(2). الوسائل: الجزء 14، الباب 12 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 46

3. ما رواه الكليني بسند معتبر عن علي بن الفضل الواسطي في حديث قال: كتبت إلى الرضا عليه السّلام ما حد البلوغ؟ فقال: «ما أوجب اللّه على المؤمنين الحدود». «1»

و سيوافيك تضافر الروايات على أنّ الأنثى إذا بلغت التسع تقام عليها الحدود. «2»

وقفة قصيرة مع الأحاديث

أمّا الحديث الأوّل: فلا شكّ في صحّة السند، لما حقّقناه في محله من أنّ ابن أبي عمير لا يرسل و لا يروي إلّا عن ثقة، و أجبنا على ما حوله من الإشكالات المثارة. «3» نعم ربما يثار حولها إشكال من حيث صحّة المتن و هو ادعاء أنّ لفظ البلوغ في عصر الوحي و العصور القريبة منه لا يضاف إلّا، بمثل الحلم و النكاح و الأشد، و لا يضاف إلى المرء و المرأة.

يلاحظ عليه: أنّ البلوغ في مصطلح الوحي و الحديث و الفقهاء بمعنى واحد، و لا دليل على كونه عند الفقهاء غيره عند الأوّلين.

إنّ البلوغ إذا نسب إلى الفاعل، يضاف إلى المرء و المرأة يقول سبحانه:

حَتّٰى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ «4» و يقال: بلوغ الرجل و الأنثى، و إذا تركت نسبته إلى الفاعل، يضاف إلى متعلقه من الحلم و الأشدّ و النكاح بلوغ و يقال: الحلم أو

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 15، الباب 8 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

(2). لاحظ الروايات برقم 4، 5، 6، 7 من هذا التسلسل.

(3). لاحظ كليات في علم الرجال: 217- 234.

(4). الأنعام: 152.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 47

النكاح

أو الأشدّ. و كلّ من الاستعمالين صحيح.

و على كل تقدير فابن أبي عمير عربي صميم، لا يخطأ في التعبير.

و هذا ابن منظور يقول: بلغ الغلام: احتلم، و بلغت الجارية ثمّ ينقل عن التهذيب: بلغ الصبي و الجارية إذا أدركا و هما بالغان، و روى عن الشافعي انّه قال: سمعت فصحاء العرب يقولون جارية بالغ. «1»

و منه يظهر حال سند الحديث الثاني، و أمّا الثالث، ففي سنده «سهل» بن زياد الآدمي، و علي بن الفضل الواسطي، أمّا الأوّل فالأمر فيه سهل، فإنّ اتقان رواياته خير شاهد على كون الرجل، محدّثا بارعا ضابطا، و إن طعن فيه أحمد بن محمد بن عيسى القمي، فقد طعن أيضا في أحمد بن محمد بن خالد البرقي ثمّ ندم و شيّع جثمانه يوم وفاته، و لم يكن الطعن إلّا لاختلافه معهما في مقامات الأئمّة، فقد كان القميّون على اعتقاد خاص فيهم، نقل المفيد في «تصحيح الاعتقاد» شيئا من عقائدهم. «2» و ما صوّر غلوّا في ذلك الوقت، فقد قبله الأصحاب بعده إلى يومنا هذا.

أماّ الثاني فقد عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الرضا عليه السّلام و قال الصدوق في المشيخة: إنّه صاحب الرضا عليه السّلام. «3» و قال المحقّق التستري:

كونه صاحبه عليه السّلام فوق التوثيق. «4»

و بذلك اتّضحت صحّة الاحتجاج بالروايات الثلاث و أنّه لا غبار عليها متنا و سندا.

______________________________

(1). لسان العرب: 8/ 420، ماده بلغ.

(2). المفيد: تصحيح الاعتقاد: 66.

(3). الفقيه: 4/ 474.

(4). قاموس الرجال: 7/ 533، برقم 5254.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 48

الطائفة الثالثة: ما تدل على أنّها إذا بلغت تسعا، يترتّب عليها ما يترتّب على البالغ

هناك روايات تدل على أنّ ذات التسع يترتب عليها ذهاب اليتم، و جواز دفع المال إليها، و جواز أمرها في الشراء و البيع و الأخذ

لها و بها، و كتابة الحسنات لها و السيئات عليها إلى غير ذلك ممّا يعدّ من أحكام البالغ، فالاستدلال بهذا النحو من الأحاديث استدلال إنّي، و انتقال من المعلول إلى العلة أو من وجود الحكم إلى وجود الموضوع، و إليك دراسة هذا القسم.

4. معتبرة حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام ... فالجارية متى تجب عليها الحدود التامة و تؤخذ بها و يؤخذ لها؟ قال: «إنّ الجارية ليست مثل الغلام، إنّ الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين، ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها، و جاز أمرها في الشراء و البيع، و أخذ لها و بها». «1»

فقد رتب على الجارية التي تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين، خمسة أحكام:

أ. ذهاب اليتم عنها.

ب. دفع مالها إليها.

ج. جواز أمرها في الشراء و البيع.

د. إقامة الحدود التامة عليها.

ه. الأخذ لها و بها.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 2.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 49

و ربّما يخطر إلى بعض الأذهان أنّ الموضوع في الرواية المذكورة هو التسع سنين في ظرف التزويج و الدخول، لا مطلق التسع و لكن يتّضح بطلانه بأدنى تأمّل، فانّ المقصود من فرض تزوجها و الدخول بها، هو التأكد من تحقّق بلوغها التسع لا أنّهما شرط لبلوغها و يحتمل أن يكون ذكرهما لغاية حصول الرشد، فإنّ الجارية في هذه الظروف لا تنفك عن الرشد، و يؤيده أنّ الرواية تركّز على حالها، ليدفع إليها أموالها و يجوز أمرها في الشراء و البيع.

و أمّا السند فقد روي بسند صحيح عن عبد العزيز العبدي، عن حمزة ابن حمران، عن حمران فقد تطرقنا لهؤلاء الثلاثة سابقا، و نقول

الآن:

أمّا الأخير: فهو حمران بن أعين أخو زرارة، و لا شكّ في وثاقته و جلالته، و لمّا توفي، قال الإمام الصادق عليه السّلام: «و اللّه مات مؤمنا».

و روي في التهذيب أنّ الصادق عليه السّلام قال عن ابنة حمران: «إنّ لأبيها حقا، و لا يحملنا ذلك على أن لا نقول الحق» و وصفه أبو غالب الزراري في «رسالته» بأنّه من أكبر مشايخ الشيعة المفضّلين الذين لا يشك فيهم. «1»

و أمّا الثاني: فهو ابنه فقد ذكره النجاشي في «رجاله» و أنّه روى عن أبي عبد اللّه و لم يذكر فيه شيئا و للصدوق طريق إليه. «2»

و في «جامع الرواة» نقل كثير من المشايخ عنه و يناهز عددهم إلى ثلاثة و عشرين شيخا.

و أمّا الأوّل: فقد ضعّفه ابن نوح أبو العباس أحمد بن علي شيخ

______________________________

(1). التستري: قاموس الرجال: 4/ 13- 22.

(2). المصدر نفسه: 284.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 50

النجاشي. «1» و قد مرّ الكلام في سندها عند البحث عن بلوغ الذكر. و انّ التضعيف لأجل الغلوّ الذي لا ينافي صدق لسانه.

5. صحيحة يزيد الكناسي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام متى يجوز للأب أن يزوّج ابنته و لا يستأمرها، قال: «إذا جازت تسع سنين، فإن زوّجها قبل بلوغ التسع سنين كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين- إلى أن قال:- قلت: أ فتقام عليها الحدود و تؤخذ بها و هي في تلك الحال، و إنّما لها تسع سنين، و لم تدرك مدرك النساء في الحيض؟ قال: «نعم، إذا دخلت على زوجها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها و أقيمت الحدود التامّة عليها و لها». «2» و سيوافيك الاستدلال بصدره.

و قد

عرفت وجه فرض التزويج و الدخول في الرواية السابقة، كما مرّ الكلام في سند الحديث عند البحث في بلوغ الذكر فلاحظ.

6. عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «و إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة و كتبت عليه السيئة، و عوقب؛ و إذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، و ذلك أنّها تحيض لتسع سنين». «3»

نعم ما ورد فيه في حقّ الغلام على خلاف المشهور، فلا يؤخذ به.

و ليست الرواية كالشهادة إذا ترك جزء منها يترك الباقي، بل الرواية إذا ترك جزء منها لا يترك الجزء الآخر، و سيوافيك إن شاء اللّه توضيح قوله: «و ذلك انّها تحيض لتسع سنين». حيث يعلل البلوغ ببلوغها الحيض، مع أنّ

______________________________

(1). النجاشي: الرجال: برقم 639.

(2). الوسائل: الجزء 14، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 9.

(3). الوسائل: الجزء 13، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 12.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 51

التحيّض متأخر في الأغلب عنه.

7. روى علي بن الحسن، عن العبدي، عن الحسن بن راشد، عن العسكري عليه السّلام قال: «إذا بلغ الغلام ثمان سنين، فجائز أمره في ماله، و قد وجب عليه الفرائض و الحدود، و إذا تم للجارية سبع سنين فكذلك». «1»

و في بعض النسخ التسع مكان السبع. «2»

و لعلّ السبع مصحف التسع و قد وقع التصحيف في هذه الكلمة في غير مورد.

8. مرسلة حفص المروزي عن الرجل عليه السّلام: «إذا تمّ للغلام ثمان سنين فجائز أمره و قد وجبت عليه الفرائض و الحدود، و إذا تمّ للجارية تسع سنين فكذلك». «3» و هي قرينة على أنّ السبع في رواية ابن راشد مصحف التسع.

9. مرسل الفقيه، قال:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها، و جاز أمرها في مالها، و أقيمت الحدود التامّة لها و عليها». «4» و يحتمل اتحاد الرواية مع بعض ما يأتي.

الطائفة الرابعة: ما تدل على عدم جواز الدخول بالصغيرة المزوّجة ما لم تبلغ التسع

10. صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا تزوّج الرجل

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 13، الباب 16 من أبواب الوقوف و الصدقات، الحديث 4.

(2). جامع أحاديث الشيعة: 1، الباب 11 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 689.

(3). جامع أحاديث الشيعة: 1، الباب 11 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 688.

(4). الوسائل: الجزء 13، الباب 45 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 4.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 52

الجارية و هي صغيرة، فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين». «1» و هي صريحة في أنّ وجه المنع لكونها صغيرة ما دامت دون التسع، فإذا جاز عنها جاز له الدخول، فيكشف انّها بإكمالها التسع تخرج عن الصغر.

11. خبر زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين». «2» و سيوافيك وجه الجمع بين السّنين، و هو استحباب التأخير عن التسع، إلى العشر سنين.

12. مرسلة عمّار السجستاني قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لمولى له: «انطلق و قل للقاضي، قال رسول اللّه: حدّ المرأة أن يدخل بها على زوجها ابنة تسع سنين». «3»

13. صحيح عبد الكريم بن عمرو، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين». «4»

14. صحيح أبي أيوب الخزاز، قال: سألت إسماعيل بن جعفر، متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال: إذا دخل عشر سنين، قلت: و يجوز أمره؟ قال:

فقال:

إنّ رسول اللّه دخل بعائشة و هي بنت عشر سنين، و ليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره و جازت شهادته. «5»

15. ما روي عن إسماعيل بن جعفر، في حديث أنّ رسول اللّه دخل بعائشة و هي بنت عشر سنين، و ليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة. «6»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1.

(2). الوسائل: الجزء 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.

(3). الوسائل: الجزء 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 3.

(4). الوسائل: الجزء 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4.

(5). الوسائل: الجزء 18، الباب 22 من أبواب الشهادات، الحديث 3.

(6). الوسائل: الجزء 14، الباب 4 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 5. وجه الاستدلال هو سماعه من أبيه، كما هو مقتضى طهارته بشرط أن يكون المراد من العشر هو الدخول فيه، و في الجواهر: 26/ 40 بل عن النبي انّه دخل بعائشة قبل تجاوز التسع.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 53

الطائفة الخامسة: ما تدل على ضمان من دخل بزوجته الصغيرة و عيبت و ليس لها تسع سنين

16. صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من وطأ امرأته قبل تسع سنين، فأصابها عيب، فهو ضامن». «1»

17. خبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السّلام قال:

«من تزوّج بكرا فدخل بها في أقلّ من تسع سنين، فعيبت ضمن». «2»

18. خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السّلام قال:

«لا توطأ بالجارية لأقل من عشر سنين، فإن فعل فعيبت فقد ضمن». «3»

19. صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من دخل بامرأة قبل أن تبلغ تسع سنين، فأصابها عيب، فهو ضامن». «4»

20. صحيحة بريد بن

معاوية، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل اقتضّ جارية- يعني امرأته- فأفضاها؟ قال: «عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين». «5»

21. صحيحة حمران، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك، فلما دخل بها اقتضّها فأفضاها، فقال: «إن كان دخل بها حين دخل بها و لها تسع سنين فلا شي ء عليه، و إن كانت لم تبلغ تسع سنين، أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضّها، فإنّه أفسدها

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 5.

(2). الوسائل: الجزء 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 6.

(3). الوسائل: الجزء 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 7.

(4). الوسائل: الجزء 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 8.

(5). الوسائل: الجزء 14، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 54

و عطّلها على الأزواج، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها و إن أمسكها و لم يطلقها حتى تموت فلا شي ء عليه». «1»

الطائفة السادسة: ما تدلّ على أنّ الدخول قبل التسع موجب للحرمة الأبدية

22. روى يعقوب بن زيد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما و لم تحل له أبدا». «2» و ربما تستفاد الحرمة الأبديّة من رواية بريد بن معاوية «3» و حمران «4» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و قد تقدّمتا ضمن روايات الطائفة الخامسة فلا نعيد.

الطائفة السابعة: ما تدل على أنّ المطلّقة دون التسع تتزوّج على كلّ حال

23. روى عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال: التي يئست من المحيض و مثلها لا تحيض» قلت: و متى تكون كذلك؟ قال: «إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض، و التي لم تحض و مثلها لا تحيض» قلت: و متى تكون كذلك؟ قال: «ما لم تبلغ تسع سنين فإنّها لا تحيض و مثلها لا تحيض،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 9.

(2) الوسائل: الجزء 14، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2. و لاحظ رقم 20 و 21 من الأرقام المتسلسلة.

(3). الوسائل: الجزء 14، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3. و لاحظ رقم 20 و 21 من الأرقام المتسلسلة.

(4). الوسائل: الجزء 14، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1. و لاحظ رقم 20 و 21 من الأرقام المتسلسلة.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 55

و التي لم يدخل بها». «1»

إنّ تجويز التزويج للمطلّقة لما دون التسع للاطمئنان ببراءة رحمها من الولد، لأنّها لا تحيض فيما دون التسع، و أمّا التسع فبما أنّها أوان نضوج الطبيعة (البلوغ) فالتحيض أمر ممكن فلا تتزوج إلّا بعد العدة.

الطائفة الثامنة: ما تدلّ على أنّ البكر في تسع سنين ليست بمخدوعة

24. روى محمد بن هاشم، عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال: «إذا تزوّجت البكر بنت تسع سنين فليست بمخدوعة». «2»

روى ابن أبي عمير عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت الجارية ابنة كم لا تستصبى، أبنت ست أو سبع؟ فقال: «ابنة تسع لا تستصبى، و أجمعوا كلّهم على أنّ ابنة تسع لا تستصبى إلّا أن يكون في عقلها ضعف و

إلّا فإذا بلغت تسعا فقد بلغت». «3» و قد مضى الاستدلال بذيله و لأجله لم نرقّمه.

25. عن محمد بن مسلم قال: سألته عن الجارية يتمتع بها الرجل، قال: «نعم إلّا أن تكون صبية تخدع» قال: قلت أصلحك اللّه و كم الحدّ الذي إذا بلغته لم تخدع؟ قال: «بنت عشر سنين». «4»

و يحمل على الدخول في العشر.

______________________________

(1). الطوسي: تهذيب الأحكام: 7/ 469، الحديث 89، باب الزيادات في فقه النكاح، لاحظ الوسائل: الجزء 15، الباب 2 من أبواب العدد، الحديث 3. و بين النقلين اختلاف يسير.

(2). الوسائل: الجزء 14، الباب 12 من أبواب المتعة، الحديث 3.

(3). الوسائل: الجزء 14، الباب 12 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(4). الوسائل: الجزء 14، الباب 12 من أبواب المتعة، الحديث 4.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 56

الطائفة التاسعة: ما تدل على أنّ الأمة لا تستبرأ إلى تسع سنين

26. روى محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرضا عليه السّلام في حدّ الجارية الصغيرة السن الذي إذا لم تبلغه لم يكن على الرجل استبراؤها، قال: «إذا لم تبلغ استبرئت بشهر»، قلت: و إن كانت ابنة سبع سنين أو نحوها مما لا تحمل، فقال: «هي صغيرة و لا يضرك أن لا تستبرئها» فقلت: ما بينها و بين تسع سنين؟ فقال: «نعم تسع سنين». «1»

الطائفة العاشرة: ما تدلّ على أنّ الزوجة لها الخيار إذا زوجت قبل التسع دون ما زوجت بعدها

27. روى يزيد الكناسي قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام متى يجوز للأب أن يزوج ابنته و لا يستأمرها؟ قال: «إذا جازت تسع سنين، فإن زوجها قبل بلوغ تسع سنين كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين». «2» و قد مضى الاستدلال به بنحو آخر في الحديث رقم 5.

و بما أنّ ما ورد هنا متحد مع ما ورد في الحديث 5، كما هو الحال في الحديث رقم 14 و 15، فتبلغ عدد الروايات اللّاتي وقفنا عليها خمسا و عشرين رواية.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 14، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 11.

(2). الوسائل: الجزء 14، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 9.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 57

أسئلة و أجوبة
اشارة

ربّما تثار أسئلة حول هذه الروايات الدالة على أنّ سن البلوغ في الأنثى هو التسع سنين، و هي ليست بمهمة و لا جديرة بالبحث، بيد أنّ مثيرها لمّا اختار خلاف القول المشهور عاد و أثار تلك الأسئلة لكي يضعّف بها أدلّة القول المشهور، و لو لا انّه اتّخذ موقفا مسبقا في هذه المسألة لما جاد ذهنه بها، و لا أثارها خياله و وهمه.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، در يك جلد، قم - ايران، اول، ه ق البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه؛ ص: 57

و على أية حال فنقوم باستعراض تلك الأسئلة و تحليلها و الجواب عنها:

1. التسع إمّا أمارة طبيعيّة أو تعبديّة

إنّ بلوغ التسع لا يخلو من حالتين، إمّا أن يكون أمارة طبيعية للبلوغ، أو أمارة تعبدية بحكم الشارع.

أمّا الأولى: فلأنّ بلوغ الإناث الطبيعي يبدأ من السنة الثانية عشرة، و الشاهد على ذلك أنّ إنبات الشعر على العانة و كذا الطمث لا يظهران إلّا بعد فترة طويلة من التسع، فكيف تكون التسع أمارة طبيعية للبلوغ مع أنّه يتقدم زمانا على الأمارتين الأخيرتين اللّتين لا شكّ في أماريّتهما الطبيعيّة و لا معنى لأن تكون الثلاثة أمارة طبيعية مع أنّ واحدة منها دائمة التقدّم على الأخيرتين.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 58

و أمّا الثانية: فلأنّ الإمام عليه السّلام يعلّل كون التسع سن البلوغ بتحيّضها في هذا السن. «1» و مع التعليل كيف يكون المعلّل أمرا تعبديّا؟

يلاحظ عليه: أنّه لا شكّ انّ التسع أمارة طبيعية للبلوغ كشف عنها الشارع، لأنّ المراد من البلوغ هو حدوث طفرة أو قفزة نوعيّة في مزاج الإنسان و بنيته تؤثر في عظمه و لحمه و عصبه و حاسته و فكره شيئا فشيئا، و لا دليل

على ظهور جميع آثار البلوغ دفعة واحدة، لأنّ له درجات و مراتب تختلف شدّة و ضعفا فتظهر أثار البلوغ تدريجيا حسب تقدّم سنّ الإنسان نحو الأمام.

فعلى ضوء ذلك فلا مانع من أن يكون التسع أمارة طبيعية كإنبات الشعر و التحيض، غير انّ التسع أمارة لأولى المراحل، بخلاف الأخيرتين فإنّهما علامتان للمراحل المتأخرة، و لأجل ذلك لو جهل سن الجارية و ظهر عليها العلامتان الأخيرتان يحكم عليها بسبق البلوغ، فهما علامتان عند الجهل بالسنّ.

و منشأ الاعتراض هو تصور أنّه ليس للبلوغ إلّا مرتبة واحدة و هو البلوغ الجنسي الذي تظهر آثاره عند إنبات الشعر أو تحيّض الجارية، فعند ذلك عاد يطرح السؤال السابق، بأنّه كيف يكون التسع سنين أمارة طبيعية للبلوغ مع أنّ البلوغ الطبيعي (الجنسي) يتأخر عن التسع بسنتين أو أكثر؟!

و قد عرفت أنّه لا يراد من البلوغ، البلوغ الجنسي بل بلوغ الجارية حدّا و مرتبة تلازم الطفرة النوعية في مزاجها و بنيتها، و قد كشف الشارع عن مبدئه، و هو التسع سنين، و يحتمل سبق البلوغ على هذا الحدّ، لكن الشارع اختاره موضوعا للتكاليف.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 13، الباب 44 من أحكام الوصايا، الحديث 12. مرّ برقم 6.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 59

2. منشأ الترديد بين التسع و العشر

لو كان التسع هو الحدّ الشرعي للبلوغ، فلما ذا نجد الترديد بينه و بين العشر في قسم من الروايات؟ فمثلا يقول الإمام الباقر عليه السّلام: «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين». «1»

و نرى مثل هذا الترديد في جانب الصبي، قال الإمام الصادق عليه السّلام:

«يؤدب الصبي على الصوم ما بين خمس عشرة سنة إلى ست عشرة سنة». «2»

و قال الشيخ الصدوق: روي أنّ الغلام يؤخذ بالصوم

ما بين أربع عشرة إلى خمس عشرة سنة إلّا أن يقوى قبل ذلك. «3»

و روى معاوية بن وهب عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال له: في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال: «ما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة». «4»

أقول: إنّ الهدف في الحديث الأوّل هو تحديد الموضوع لجواز الدخول بالجارية و الحدّ الشرعي له هو التسع سنين، و أمّا الترديد بينه و بين العشر سنين فلعلّه لأجل استحباب التأخير حتى تتكامل قابليتها أكثر ممّا مضى.

و العجب أنّ المستشكل طرح ما ورد من الترديد في تأديب الغلام بين خمس عشرة إلى ست عشرة، و قد استقصينا الكلام في ذلك، و قلنا: إنّ مصبّ

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 13.

(3). الصدوق: المقنع: 195، كتاب الصوم.

(4). الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب من يصحّ عنه الصوم، الحديث 1.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 60

السؤال هو وظيفة الولي، و لا صلة له بالطفل. و مثله الترديد بين الأربع عشرة و الخمس عشرة فهو لأجل بيان وظيفة الولي بين هذين الحدين.

و حصيلة الكلام عدم رجوع الترديد إلى بيان حدّ البلوغ و إنّما يعود إلى بيان وظيفة الولي بين هذين المقطعين.

3. جواز التزويج لا يناسب التعبدية

قال الإمام الباقر عليه السّلام: «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و زوجت و أقيمت عليها الحدود التامة لها و عليها». «1»

ترى أنّه رتّب على التسع أمورا:

أ. إقامة الحدود لها و عليها.

ب. جواز التزويج و ذهاب اليتم عنها.

و الأوّل من الأمور التشريعية التي يكون تحديد مبدئها بيد الشارع و أمّا التزويج فهو

من الأمور الطبيعية الذي يتوقف على تكامل البنية المزاجية و البدنية و الرغبة النفسية و لا دور للشارع بما هو مقنن و لا للوالدين في تحديد هذا الأمر.

يلاحظ عليه: أنّ الغاية من التزويج ليس هو خصوص الاستمتاع عن طريق الدخول بها حتى يقال بأنّ تلك الغاية لا تتحقّق إلّا في السنين التي تعقّب التسع، بل الغاية هو مطلق الاستمتاع بأنواعه و أقسامه، فلو كانت البنية المزاجية و البدنية تسوّغ الاستمتاع بالدخول، كما هو كذلك في

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 2.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 61

بعض المناطق الحارة لترتب عليه جميع تلك الاستمتاعات، و إلّا لتوقف على حصول شرطه و هو الاستعداد المزاجي، فيكون للشارع دور في تحديد سن التزويج الذي يقصد منه مطلق الاستمتاع لا خصوص الدخول.

و ليس هذا أمرا جديدا، فإنّ البلوغ السنّي و الجنسي لا يكفيان في ذهاب اليتم مع أنّ الإمام رتّبه على التسع أيضا، بل يتوقف على وجود الرشد المالي، قال سبحانه: وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ. «1»

4. قصور التسع عن التصرف المالي

ثمة طائفة من تلك الروايات رتبت على البلوغ السنّي جواز التصرف، و لا شكّ أنّ البلوغ السنّي و حتى الجنسي كالاحتلام و الحيض لا يكفيان لتسليم المال إلى الغلام و الجارية، بل يتوقف على استئناس الرشد منهما، فإذا فرض الشارع في سن التسع، جواز تصرفها في أموالها يكشف عن كون ذات التسع في مورد الروايات امرأة ناضجة جنسيا إلى حدّ سوغ الإمام دفع مالها إليها، و على ذلك لا يكون دليلا على أنّ التسع بما هو تسع موضوع للحكم بل التسع الملازم لدفع المال، و

هو غير قول المشهور.

أقول: إنّ التسع أخذ موضوعا لعدّة من الأحكام و منها تسليم مالها إليها لكن لا بمعنى أنّها علّة تامة للدفع، و إنّما هي مقتضية لهذا الحكم أي أنّ لذات التسع ذلك الشأن بخلاف ما دونها، و ليس معنى ذات الشأن أنّها

______________________________

(1). النساء: 6.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 62

كذلك بالفعل، بل ربما يتوقف على حصول شرط آخر، و هو استئناس الرشد، فإن كانت ذات التسع رشيدة في الأمور المالية يدفع إليها مالها، و إلّا فيصبر الوليّ إلى حصول الرشد. فلا وجه للقول بأنّ الموضوع هو التسع الملازم لدفع المال حتى يغاير قول المشهور بأنّ التسع ذات الاقتضاء لدفع المال. و مبدأ الإشكال أنّه تصوّر انّ ذات التسع علّة تامة لدفع المال و غفل عن كونها علّة مقتضية كما صوّرها القرآن الكريم، حيث قال: وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ.

تجد انّه سبحانه لم يقتصر على بلوغ النكاح فقط بل ذكر شرطا آخر و هو استئناس الرشد منهم، فالروايات كنفس الآية ناظرة إلى الاقتضاء لا إلى العلة التامة، فإن كان الشرط الآخر موجودا يدفع المال إليها و إلّا فينتظر.

5. التسع موضوع لقسم من الأحكام لا كلّها

و قد وقع بلوغ التسع في هذه الروايات موضوعا لقسم من الأحكام، كإقامة الحدود، و التصرف بالأموال و جواز الدخول، و الخروج عن اليتم، و لا دليل على أنّه أيضا موضوع للصيام و الحج، و الزكاة و الصلاة و الستر.

يلاحظ عليه: «1» لو افترضنا عدم وجود دليل عام لترتب عامة الأحكام عليه، فيكفي في المقام القياس الأولوي، فإذا حكم عليه بالقطع و الجلد، و الرجم و التصرف في الأموال و الدخول، فالأولى أن يكون محكوما

بالأحكام الحقيقية، على أنّ جواز التصرف في الأموال كاشف عن رشدها، مضافا إلى

______________________________

(1). ما بين القوسين ليس في كلام المستشكل و إنّما أضفناها لتوضيح مراده.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 63

بلوغها- قال سبحانه: وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ. «1» ترى أنّه سبحانه يرتّب التصرف في الأموال، على أمر زائد على البلوغ، فإذا كانت التسع موضوعا لمثل تلك الأحكام يكشف عن وصولها قمة البلوغ حتى فوضت إليها أموالها.

أضف إلى ذلك أنّ هنا روايات تدل على ترتّب كلّ الأحكام على من بلغت التسع نظير:

صحيحة ابن سنان: «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة، و كتبت عليه السيئة، و عوقب؛ و إذا بلغت الجارية تسع سنين كذلك». «2»

و يؤيدها خبر المروزي عن الرجل قال: إذا تم للغلام ثمان سنين فجائز أمره، و قد وجبت عليه الفرائض و الحدود، و إذا تم للجارية تسع سنين فكذلك. «3»

و الفقيه إذا نظر إلى هذه الروايات في مختلف الأبواب و الأحكام، بذهن صاف غير مشوب بالشبه و الاستحسانات، يقضي بأنّ الشارع، قد أخذ تسع سنين مبدأ للبلوغ و رتّب عليه عامة أحكام البالغين، غاية الأمر لو فقدت الجارية في بعض المناطق، الشرائط اللازمة من القابليات و القدرات بالنسبة إلى بعض الأحكام ينظر إلى حصولها في المستقبل.

______________________________

(1). النساء: 6.

(2). مرّ برقم 6.

(3). مرّ برقم 8.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 64

2 حدّ البلوغ في الأنثى هو الثلاث عشرة سنة
اشارة

هذا هو الاحتمال الثاني في بلوغ الأنثى و لم نجد بين المتقدّمين و المتأخرين من اعتمد على ذلك الوجه غير ما يظهر من المحقّق الكاشاني:

و يمكن الاستدلال عليه بأمور:

1. موثقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال: «إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جرى عليه القلم، و الجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها و جرى عليها القلم». «1»

و السند مثل الدلالة معتبر إنّما الكلام في صحّة الاحتجاج إذ فيها:

أوّلا: أنّ مضمونه لا يوافق المدعى، لأنّها تضمّنت كون المعيار: ثلاث عشرة سنة إلّا إذا حاضت قبل ذلك فعلى ذلك يجب تغيير العنوان بالنحو التالي: حد البلوغ هو الثلاث عشرة سنة إلّا إذا حاضت قبل ذلك.

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 1، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 12.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 65

و ثانيا: أنّها رواية أعرض عنها الأصحاب في المقيس عليه (الغلام) فضلا عن المقيس (الجارية) و عمار و إن كان متهما بالفطحية (و إن قيل بعدوله عنها إلى الطريقة الحقّة)، لكنّه ثقة بلا كلام إلّا انّه يعمل برواياته في غير ما ينفرد بنقله، و قد نقل الشيخ الطوسي في «التهذيب» عن جماعة من الأصحاب انّ ما ينفرد عمار بنقله لا يعمل به. «1»

أضف إلى ذلك أنّ روايات عمار لا تخلو من اضطراب، و قد اتّهم بعدم إجادته للعربية.

قال المحدّث البحراني: لا يبعد أن يكون هذه الرواية من قبيل ما يقع في رواياته من التهافتات و الغرائب. «2»

2. صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: إذا بلغ أشده، ثلاث عشرة سنة و دخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم، و كتبت عليه السيئات و كتبت له الحسنات و جاز له كلّ شي ء إلّا أن يكون ضعيفا أو سفيها.

«3»

وجه الدلالة أنّ الرواية بصدد تفسير «بلوغ الأشد» الوارد في القرآن الكريم و هو غير مختص بالغلام بل يعمّه و الجارية، قال سبحانه: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ إِحْسٰاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلٰاثُونَ شَهْراً حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ. «4»

______________________________

(1). تنقيح المقال: 2/ 319، ترجمة عمّار.

(2). الحدائق: 13/ 185.

(3). الوسائل: الجزء 13، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 11.

(4). الأحقاف: 15.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 66

فتكون النتيجة أنّ بلوغ الأشد هو الحد المشترك بين الغلام و الجارية، و قد فسّر بثلاث عشرة سنة.

أقول، أوّلا: إنّ الآية لا تدل على أزيد من أنّ بلوغ الأشد هو حدّ البلوغ في الغلام و الجارية، و لكن لا تدلّ على أنّ بلوغ الأشد في كلا الصنفين يتحقّق في زمان واحد، إذ من المحتمل أن يكون ظرف حصوله في أحد الصنفين متقدما على حصوله في ظرف آخر، و تصديق ذلك سهل بالنظر إلى أنّهما صنفان من نوع واحد و من المحتمل اختلافهما في سرعة النضوج و بطئه، و قد دلّت التجارب العلمية على أنّ الموجود، الضعيف البنية، أسرع رشدا من الموجود القوي البنية، مثلا الازهار تنمو كل يوم أكثر من نمو شجرة الصنوبر، و من المعلوم أنّ الذكور أقوى بنية من الإناث و هذا شي ء لا يمكن إنكاره.

و بذلك تبيّن عدم صحّة الاستدلال بالرواية على المدعى، فإنّ تطبيق بلوغ الأشد في الغلام على ثلاث عشرة، لا يصلح دليلا على كون الجارية كذلك و انّ بلوغ الأشدّ فيها، بإتمامها الثلاث عشرة كما لا يخفى إذ اشتراكهما في أمر، لا يدل على وحدة زمانه فيهما.

و حصيلة الكلام: أنّ الغلام و الجارية يبلغان عند بلوغ

الأشد، و أمّا انّ الغاية تتحقق في كلا الصنفين على نحو واحد فهذا ممّا لا تدل عليه الآية و لا الرواية.

و ثانيا: الظاهر أنّ لعبد اللّه بن سنان رواية واحدة نقلت بصور و أسانيد مختلفة في الباب الرابع و الأربعين من أبواب أحكام الوصايا، و ما ذكرناه إحدى تلك الصور، و إليك الإشارة إلى الصورتين الأخيرتين:

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 67

أ. عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله أبي و أنا حاضر عن قول اللّه عزّ و جلّ: حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ قال: «الاحتلام ...».

ب. عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة».

فالصورة الأولى من الأخيرتين ظاهرة في الذكر بشهادة أنّه فسّر بلوغ الأشد بالاحتلام، و هو منصرف إلى الذكور لا الإناث و إن قلنا بصحّة احتلامها، و وجه الانصراف إنّما هو كثرة استعماله في الذكور، و قلّة استعماله في الإناث لا كثرة الوجود حتى يقال انّ الثانية لا تصلح للانصراف.

كما أنّ الصورة الثانية بشهادة لفظ الغلام صريحة في الذكور، و مع هذا الاختلاف في نقل رواية واحدة كيف يمكن استفادة حكم الأنثى بحجّة انّ الإمام فسّر بلوغ الأشد بثلاث عشرة سنة.

3. خبر أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قلت له: في كم تجري الأحكام على الصبيان؟ قال: «في ثلاث عشرة و أربع عشرة» قلت: فإنّه لم يحتلم فيها، قال: «و إن كان لم يحتلم، فإنّ الأحكام تجري عليه». «1»

وجه الاحتجاج أنّ الصبيان و إن كان جمع الصبي، و لكنّه يستعمل في جنس الصبي، و قد جاء في غير واحد من الروايات لفظ الصبيان

و أريد منه مطلق الصغير.

قال: روى إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه، «إنّ عليّا كان يقول: عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة». «2»

______________________________

(1). الوسائل: الجزء: 13، الباب 45 من أحكام الوصايا، الحديث 3.

(2). الوسائل: الجزء 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 6.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 68

أقول: إنّ استعمال لفظة الصبيان في مطلق الصغير و إن كان صحيحا و يشهد له كثير من الروايات، لكن القرينة في الرواية تدل على أنّه أريد به خصوص الصبي، حيث قال في ذيل الرواية، قال: قلت: فإنّه لم يحتلم فيها، قال عليه السّلام: «و إن كان لم يحتلم ...».

فإنّ الاحتلام منصرف إلى الغلام دون الجارية حتى لو قلنا بصحّة احتلامها، فهو أمر نادر الوجود و لا يستعمل فيها إلّا نادرا فلا ينصرف إليها اللفظ.

و بذلك ظهر أنّه لا دليل معتبر على أنّ حدّ البلوغ في الجارية هو الثلاث عشرة إلّا موثقة عمار مع أنّ الحكم في المقيس عليه، فيها أعني:

الغلام، معرض عنه، فكيف يستدل به على المقيس أي الجارية؟!

علاج الروايات

الظاهر أنّه لا جمع دلالي مقبول بين الطائفتين من الروايات، فتصل النوبة إلى الترجيح، و من المعلوم أنّ الترجيح مع التسع لوجوه:

الأوّل: انّ الحدّ المذكور قد دلّ عليه ما يناهز خمسا و عشرين رواية بين صحيح و موثّق و حسن و ضعيف، و كلّ واحد منها و إن كان خبر واحد، لكن المجموع يفيد القطع بصدوره عن الأئمّة عليهم السّلام و التواتر اللفظي و إن كان غير متحقّق، لكن التواتر المعنوي- أعني: الجامع بين مضامين تلك الروايات- متحقّق، و معه كيف يمكن العدول منها إلى غيرها؟!

فلو أخذنا بالثلاث عشرة يلزم رفض ما ثبت وروده بالتواتر الإجمالي،

البلوغ،

حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 69

و هذا بخلاف الثلاث عشرة، فإنّه لم يدل عليه إلّا خبر واحد، و هو موثّقة عمّار، و أمّا دلالة الخبرين الأخيرين فإنّما كانت باستنباط المستدل، لا بالدلالة اللفظية، حيث إنّ إسراء حكم الغلام المذكور فيهما إلى الجارية كانت نظرية لا دلالة.

الثاني: انّ الشهرة العملية مع الطائفة الأولى، و قد أمر الإمام الصادق عليه السّلام في مقبولة عمر بن حنظلة بأخذ المجمع عليه عند الأصحاب، قال:

«ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا، و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه». «1»

و من نظر إلى الكتب الفقهية الاستدلالية أو الفتوائية يجد القول الأوّل مشهورا متّفقا عليه، و القول الثاني شاذا متروكا، و قد ذكرنا في أبحاثنا الأصولية «2»: إنّ الشهرة العملية ليست من مرجّحات إحدى الحجّتين على الأخرى، بل هي من مميزات الحجّة من لا حجّة، بشهادة أنّ الإمام جعل المجمع عليه لا ريب فيه، و معنى ذلك أنّ خلافه فيه كلّ الريب الذي يساوي الباطل لا فيه بعض الريب، و إلّا فلو كان المخالف ما فيه الريب، يلزم اجتماع اليقين بالشي ء مع احتمال خلافه، و هو أمر محال، و ذلك لأنّ اتّفاق الأصحاب- حسب تعبير الإمام- ممّا لا ريب فيه، و ما هو كذلك يورث اليقين، و لازم ذلك أن يكون الطرف المقابل ممّا لا ريب في بطلانه، و إلّا فلو كان فيه الريب بمعنى احتمال صدقه يلزم اجتماع اليقين بالشي ء،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 18، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

(2). المحصول في علم الأصول: 3/ 207.

البلوغ، حقيقته، علامته و

أحكامه، ص: 70

مع احتمال خلافه.

فالشاذ النادر داخل في بيّن الغيّ من أقسام التثليث الوارد في ذيل المقبولة، لا في القسم الثالث و هو الأمر المشكل الذي يرد علمه إلى اللّه و رسوله.

الثالث: انّ المتتبع في سيرة أصحاب الأئمّة عليهم السّلام يقف على أنّهم كانوا يتركون ما سمعوه شفاها من لسان الإمام، و يأخذون بما اتّفقت عليه كلمة بطانتهم، و هذا يرشدنا إلى أنّ ما اتّفق عليه الأصحاب بما أنّهم بطانة علوم الأئمّة مقدّم على ما سمعوه من نفس الإمام، لاحتمال وجود التقية فيما سمعوه دون ما اتّفقوا عليه، نظرا لوقوفهم على فتوى الإمام عن كثب.

روى سلمة بن محرز، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ رجلا مات و أوصى إليّ بتركته و ترك ابنته، قال: فقال لي: «اعطها النصف» قال:

فأخبرت زرارة بذلك، فقال لي: اتّقاك إنّما المال لها، قال: فدخلت عليه بعد فقلت: أصلحك اللّه إنّ أصحابنا زعموا أنّك اتقيتني، فقال: «لا و اللّه ما اتقيتك، و لكنّي اتقيت عليك أن تضمن فهل علم بذلك أحد؟» قلت: لا، قال: «فاعطها ما بقي». «1»

إنّ لشيخنا المفيد كلمة قيّمة، يجب على من يفتي بكل خبر، و لا يراعي ضوابط حجّيته، أن يطالعها و يتدبّر فيها و نحن نأتي ببعضها:

قال: «إنّ المكذوب منها لا ينتشر بكثرة الأسانيد، انتشار الصحيح المصدوق على الأئمّة عليهم السّلام فيه، و ما خرج للتقية لا تكثر روايته عنهم، كما

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 17، الباب 4 من أبواب ميراث الأبوين و الأولاد، الحديث 3.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 71

تكثر رواية المعمول به، بل لا بدّ من الرجحان في أحد الطرفين على الآخر من جهة الرواة حسب ما ذكرته».

«و لم تجمع

العصابة على شي ء كان الحكم فيه تقية و لا شي ء دلّس فيه و وضع مخروصا عليهم و كذب في إضافته إليهم، فإذا وجدنا أحد الحديثين متفقا على العمل به دون الآخر علمنا أنّ الذي اتّفق على العمل به هو الحقّ في ظاهره و باطنه، و انّ الآخر غير معمول به، إمّا للقول فيه على وجه التقية، أو لوقوع الكذب فيه».

«و إذا وجدنا حديثا يرويه عشرة من أصحاب الأئمّة عليهم السّلام يخالفه حديث آخر في لفظه و معناه، و لا يصحّ الجمع بينهما على حال، رواه اثنان أو ثلاثة، قضينا بما رواه العشرة و نحوهم على الحديث الذي رواه الاثنان و الثلاثة، و حملنا ما رواه القليل على وجه التقية أو توهم ناقله». «1»

فتدبّر في ما رواه جماهير الأصحاب في بلوغ الأنثى، و ما تفرد به عمّار.

هذه مكانة الشهرة الفتوائية، و قيمة الإعراض عن الرواية، فالعدول عن هذه السيرة و التمسك بشواذ الروايات، عدول عن الطريق المهيع.

______________________________

(1). المفيد: تصحيح الاعتقاد: 71، ط تبريز.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 72

3 المعيار هو الطمث و الحيض

و هذا هو القول الثالث في بلوغ الأنثى، و حاصله: أنّ المعيار في الحكم على الجارية بالبلوغ هو رؤية الدم المعبّر عنه بالطمث و التحيض، و هي أمارة طبيعية على نضوج المزاج و خروجها عن الصبا، و يدلّ عليه لفيف من الروايات:

1. صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و إذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، و ذلك أنّها تحيض لتسع سنين». «1» و التعليل يحكي عن كون المدار هو رؤية الدم، و لو قيل بالتسع سنين فإنّما هو لأجل كونها ترى الدم في هذا السن.

يلاحظ عليه: أنّ الدليل لا ينطبق على

المدّعى، لأنّ المدّعى كون المعيار هو التحيض بالفعل، و من المعلوم عدم تحقّقه في ذلك السنّ غالبا لأنّ التجارب أثبتت أنّ المتعارف في الجواري أنّهنّ يرين الدم من ثلاث عشرة، لا قبلها إلّا قليلا، و عندئذ كيف يمكن أن يفسر التعليل بالتحيض

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 13، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 12.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 73

الفعلي، حتى ينطبق على المدّعى، فلا مناص من حمل التعليل على الشأن و الاستعداد و الاقتضاء، أي بما أنّ لهنّ ذلك التهيّؤ للطمث حكم عليهنّ بكتابة الحسنات و السيئات في ذلك السن، و ربما ينقلب ذلك الشأن إلى الفعلية في النقاط الحارة، و قد عرفت أنّ النبي دخل على عائشة و لها عشر سنين و قد بلغت مبلغ المرأة.

2. خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «على الصبي إذا احتلم، و على الجارية إذا حاضت، الصيام و الخمار إلّا أن تكون مملوكة، فإنّه ليس عليها خمار، إلّا أن تحب أن تختمر و عليها الصيام». «1»

و إليه أشار الصدوق في «الفقيه» بقوله: «و في خبر آخر: على الصبيّ إذا احتلم الصيام، و على المرأة إذا حاضت، الصيام». «2» و أسقط الخمار.

و أشار إليه في المقنع بقوله: و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «على الصبي إذا احتلم الصيام، و على المرأة إذا حاضت، الصيام و الخمار». «3»

أمّا المنقول عن أبي بصير، فقيه: أوّلا: أنّه ضعيف بابن أبي حمزة الواقفي البطائني أوّلا، و محمد بن القاسم الواقفي ثانيا، و روى الكشي عن نصر بن الصباح أنّه قال: القاسم بن محمد الجوهري لم يلق أبا عبد اللّه، و هو مثل ابن

أبي غراب، و قالوا: أنّه كان واقفيا، و هو واقفي غير موثق، و قد رد جمع من الفقهاء روايته، منهم: المحقّق في «المعتبر» حيث قال: و الجواب،

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 7.

و الأخير مروي في الجزء 1، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات برقم 10؛ و في الجزء 3، الباب 29 من أبواب لباس المصلي، الحديث 3.

(2). الوسائل: الجزء 7، الباب 29 من أبواب من يصحّ منه الصوم، الحديث 7 و 12.

و الأخير مروي في الجزء 1، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات برقم 10؛ و في الجزء 3، الباب 29 من أبواب لباس المصلي، الحديث 3.

(3). المقنع: 195، باب الوقت الذي يؤخذ الصبي فيه بالصوم.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 74

الطعن في السند، فإنّ القاسم بن محمد واقفي، و في «المسالك»: إنّ القاسم بن محمد لم يوثق مع أنّه واقفي. «1»

و العجب من بعض أهل التحقيق حيث وصف الرواية بالصحّة في كلام له حول بلوغ الأنثى. «2»

و أمّا المنقول عن الصدوق فهو نفس خبر أبي بصير، نقل بتجريد السّند، و قال: و في خبر: «على الصبي إذا احتلم ...» كما عبر عنه في «المقنع» بقوله: و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و لم ينسبه إلى الصادق جازما، و ما يظهر من كلام البعض أنّه قال: قال الصادق، فلا يوافق المصدر.

و ثانيا: أنّ الرواية عطفت الخمار على الصيام فلازم ذلك الالتزام بعدم وجوبه عليها إلّا إذا حاضت و هل يمكن الالتزام بذلك؟

و ثالثا: أنّ صدر الرواية قابل للجمع بينه و بين قول المشهور، و هو كون المعيار في الغلام خمس عشرة سنة، و لكن

ذيل الرواية غير قابل للجمع بينه و بين قول المشهور و هو كون المعيار في الجارية التسع.

توضيح الأمرين أنّ تعليق وجوب الصيام على الصبي في صدر الرواية، بالاحتلام، لا ينافي وجوبه ببلوغ خمس عشرة سنة، لأنّه محمول على ما إذا تقدّم الاحتلام على البلوغ بالسن، و هو ليس أمرا نادرا و إن كان قليلا.

غاية الأمر ترفع اليد عن مفهوم الجملة الشرطية الدالّة على عدم وجوبه عليه ما لم يحتلم و إن بلغ الخمس عشرة.

______________________________

(1). المامقاني: تنقيح المقال: 3/ 24.

(2). لاحظ مجلة الفكر الإسلامي العدد 3 و 4 تحت عنوان «متى تصوم الجارية».

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 75

و أمّا قوله: «و على الجارية إذا حاضت الصيام»، فلا يمكن تصحيحه بحمله على تقدّم الحيض على التسع، لأنّه نادر جدا، و لا يمكن حمل الرواية عليه، إذ معناه لغوية كون الطمث دليلا على بلوغ الأنثى، لتقدّم الدليل الآخر عليه و هو التسع سنين. و لا معنى لجعل شي ء علامة، تتقدّمها علامة أخرى دائما، فلا مناص من طرح الذيل و الأخذ بالمشهور رواية و فتوى.

3. موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن ابن عشر سنين يحج، قال: «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت». «1»

4. معتبر شهاب «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن ابن عشر سنين يحج، قال: «عليه حجّة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت». «3»

يلاحظ أنّ الحديثين بقرينة وجود السؤال عن وجوب الحج على ابن عشر سنين، و بقرينة ما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: لو أنّ غلاما حجّ

عشر حجج، ثمّ احتلم كانت عليه فريضة الإسلام. «4» بصدد نفي ما ارتكز في ذهن السائلين من وجوب الحجّ في عشر سنين و انّه لو حجّ، لكفى عن حجّة الإسلام، فردّ الإمام ذلك الزعم

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 8، الباب 12 من أبواب وجوب الحج، الحديث 1.

(2). هو شهاب بن عبد ربّه بن أبي ميمونة، وثّقه النجاشي في ترجمة ابن أخيه إسماعيل بن عبد الخالق برقم 49.

(3). الوسائل: الجزء 8، الباب 12 من أبواب وجوب الحج، الحديث 2.

(4). الوسائل: الجزء 8، الباب 13 من أبواب وجوب الحجّ، الحديث 1.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 76

بأنّ الحجّ يجب بعد البلوغ، من غير فرق بين الذكر و الأنثى، و لأجل التركيز على أمر ملموس من علائم البلوغ، أشار إلى الاحتلام في الذكر و الطمث في الجارية، حتى يقع الرد موقعه و مع هذا، لا يمكن استفادة الانحصار من الحديثين و انّه لو لا الاحتلام في الغلام و الطمث في الأنثى لما وجب و هذا واضح لمن تدبّر الروايتين.

5. معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «أتى علي عليه السّلام بجارية لم تحض قد سرقت فضربها أسواطا و لم يقطعها». «1»

يلاحظ عليه: أنّ الرواية تحكي عملا للوصي عليه السّلام، و هو عدم القطع، و ليس صريحا في أنّ عدم القطع لأجل عدم البلوغ و إن كان ظاهرا فيه، بل من المحتمل عدم إحراز الشرائط اللازمة في القطع، كما يحتمل أن يكون لأجل عفو الإمام عنها لعدم ثبوت السرقة بالبينة، بل بالإقرار و قد تقرر في محلّه أنّه إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو، و إذا أقرّ الشخص على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا

و إن شاء قطع. «2» على أنّ الحدود تدرأ بالشبهة. «3» و كفى فيها وجود الشك- مع عدم الطمث- في بلوغها التسع سنين.

6. ما رواه الصدوق بسند ضعيف، عن يونس بن يعقوب أنّه سأل أبا عبد اللّه عن الرجل يصلّي في ثوب واحد، قال: «نعم» قال: قلت فالمرأة؟

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 18، الباب 28 من أبواب السرقة، الحديث 6.

(2). الوسائل: الجزء 18، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.

(3). الوسائل: الجزء 18، الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 77

قال: «لا، و لا يصلح للحرة إذا حاضت إلّا الخمار إلّا أن لا تجده». «1» و سند الصدوق إلى يونس بن يعقوب ضعيف.

7. روى عبد اللّه بن جعفر الحميري في «قرب الإسناد»، عن السندي ابن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليه السّلام قال: «إذا حاضت الجارية فلا تصلّي إلّا بخمار». «2»

و السندي: هو أبان بن محمد، هو ابن اخت صفوان بن يحيى، و ثقة النجاشي، إلّا أنّ الكلام في أبي البختري و هو وهب بن وهب الذي يصفه النجاشي بقوله: روى عن أبي عبد اللّه، و كان كذابا و له أحاديث مع الرشيد في الكذب، و وصفه الشيخ بالضعف و انّه عامي المذهب. «3»

8. روى الكليني بسند صحيح عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا تصلح للجارية إذا حاضت إلّا أن تختمر إلّا أن لا تجده». «4»

9. روى الصدوق بسند غير نقيّ عن محمد بن مسلم، قال: و سألته عن الأمة إذا ولدت، عليها الخمار، قال: «لو كان عليها، لكان عليها إذا هي حاضت و ليس عليها التقنع».

«5»

10. روى النوري في «المستدرك» عن «الجعفريات» بسند عن علي عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا يقبل صلاة جارية قد حاضت حتى

______________________________

(1). الوسائل: الجزء 3، الباب 28 من أبواب لباس المصلي، الحديث 4.

(2). الوسائل: الجزء 3، الباب 28 من أبواب لباس المصلي، الحديث 13.

(3). المامقاني: تنقيح المقال: 3/ 282.

(4). الوسائل: الجزء 14، الباب 126 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1.

(5). الوسائل: الجزء 3، الباب 29 من أبواب لباس المصلي، الحديث 7.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 78

تختمر». «1»

و ما نقله في «المسالك»، يرجع إلى هذه الروايات قال: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلّا هذا» و أشار إلى الوجه و الكفين و قوله: «لا تقبل صلاة حائض إلّا بخمار». «2»

هذه الروايات الخمس تؤكد على خصوص الخمار مطلقا أو في حال الصلاة، و لا تشير إلى سائر الأحكام المترتبة على البلوغ، فلو صحّ الأخذ بها مع غض النظر عن إعراض المشهور عنها فتحمل على تأكّد الوجوب.

ثمّ إنّ الذي يورث الريب في هذه الخمسة الأخيرة، ورود مضمونها من طرق غيرنا فقد رووا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا يقبل اللّه صلاة حائض إلّا بخمار». قال ابن حجر: رواه الخمسة إلّا النسائي، و صحّحه ابن خزيمة. «3» و المراد من الحائض، هو من حاضت، و إلّا فالصلاة في حالة الحيض ساقطة.

______________________________

(1). مستدرك الوسائل: الجزء 3، الباب 22 من أبواب لباس المصلّي، الحديث 1.

(2). زين الدين العاملي: مسالك الافهام: 1/ 247.

(3). ابن حجر العسقلاني: بلوغ المرام: 42، الحديث 221.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص:

79

4 للبلوغ مراتب حسب اختلاف الأحكام

و هذا هو النظر الرابع و هو خيرة الفيض الكاشاني في «مفاتيح الشرائع» و لننقل نصه:

قال: «و التوفيق بين الأخبار يقتضي اختلاف معنى البلوغ بحسب السن بالإضافة إلى أنواع التكاليف كما يظهر ممّا روي في باب الصيام: أنّه لا يجب على الأنثى قبل إكمالها الثلاث عشرة سنة، إلّا إذا حاضت قبل ذلك.

و ما روي في باب الحدود أنّ الأنثى تؤاخذ بها، و هي تؤخذ لها تامة إذا أكملت تسع سنين.

إلى غير ذلك ممّا ورد في الوصية و العتق و نحوهما أنّها تصح من ذي العشر. «1»

و أورد عليه في «الجواهر» و قال:

1. إنّ ما ذكره مخالف لإجماع العلماء فإنّهم مع اختلافهم في حدّ البلوغ بالسن مجمعون على أنّ البلوغ الرافع للحجر هو الذي يثبت به التكليف، و انّ الذي يثبت به التكليف في العبادات هو الذي يثبت به التكليف في غيرها، و انّه لا فرق بين الصلاة و غيرها من العبادات فيه.

______________________________

(1). الفيض الكاشاني: مفاتيح الشرائع: 14، المفتاح الثاني.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 80

بل هو أمر ظاهر في الشريعة و معلوم من طريقة فقهاء الفريقين، و لم يسمع من أحد منهم تقسيم الصبيان بحسب اختلاف مراتب السن بأن يكون بعضهم بالغا في الصلاة غير بالغ في الزكاة أو بالغا في العبادات دون المعاملات، أو بالغا فيهما غير مانع في الحدود و ما ذاك إلّا لكون البلوغ بالسن أمرا متحدا غير قابل للتجزئة و التنويع. «1»

و اختار التفصيل نفسه بعض المحقّقين المعاصرين و حاصله: أنّ البلوغ بمراتبه المختلفة موضوع لأحكام كذلك.

1. ففي مجال العقائد يكفي إجراء الشهادتين على اللسان عن و عي و درك و إن لم يبلغ الخمس عشرة سنة من

الذكور، و التسع في الأنثى، فلو أسلم ولد الكافر و أذعن بهما كإذعان سائر الأفراد، فهو محكوم بالإسلام، و يخرج عن كونه تابعا لوالديه.

2. و في مورد العقود، كالبيع و الإجارة و الرهن و الإيصاء و العتق و الطلاق يكفي البلوغ إلى عشر سنين بشرط الرشد الفكري و العقلاني.

3. و بالنسبة إلى الحدود و التعزيرات يكفي بلوغ الأنثى مبلغ النساء، و من علائمه التزويج، و تعالي البنية البدنية و إن لم تبلغ العشر.

4. و في مجال العبادات، يكفي أحد الأمرين الطمث، أو البلوغ إلى ثلاث عشرة سنة خصوصا في الصوم. «2»

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ هذا التفصيل، يخالف ما تواتر إجمالا عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام من أنّ حدّ البلوغ في الأنثى هو التسع و لو في قسم من الأحكام، و هي من الكثرة بمكان لا يمكن طرحها بتاتا، اللّهمّ إلّا أن يقصد

______________________________

(1). النجفي: الجواهر: 26/ 41.

(2). كاوشى در فقه: 251.

البلوغ، حقيقته، علامته و أحكامه، ص: 81

من كلامه في الشق الثاني «عشر سنين»، هو إكمال التسع و الدخول في العشر، فعندئذ فقد عمل بها في مورد العقود.

ثانيا: لا يراد من صحّة عقود البالغ، مجرد إجراء الصيغة اللفظية و كالة عن الغير، بل مباشرتها بنفسه، و من المعلوم أنّها فرع مؤهلات و قابليّات البائع، و الموجر و الراهن و المطلّق، فإذا كان بلوغ العشر مع الرشد المناسب كافيا للموضوع، فلما ذا لا يكون كافيا في مجال العبادات التي لا تتجاوز عن عدّة ركعات، و إمساك عن الطعام و الشراب مدّة قصيرة. فالقياس الأولوي يستدعي عطف العبادات على المعاملات في تحديد سن البلوغ مع شرطه.

5. انّ القول بكفاية أحد الأمرين من الطمث أو البلوغ إلى

ثلاث عشرة سنة يعتمد على موثقة عمار، يرويها فطحي عن فطحي إلى أن تصل إليه، و قد عرفت أنّ الرواية متروكة، انفرد بها عمار، و نقل الشيخ في «الاستبصار» انّ الأصحاب لا يعملون بمتفرّداته، فكيف يصحّ الاعتماد على حديث معرض عنه طيلة قرون. و إنّي أجلّ شيخنا المحقّق العزيز أنار اللّه برهانه عن الإفتاء بهذا التفصيل الذي يوجب الفوضى في المجتمع الإسلامي و يضفي للمسألة إجمالا و إبهاما، و لعلّه- دام ظلّه- يجدد النظر فيما أفاد.

رحم اللّه الماضين من علمائنا و حفظ اللّه الباقين منهم وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ*

تمّت الرسالة بيد مؤلّفها الفقير، جعفر السبحاني ابن الفقيه الحاج ميرزا محمد حسين السبحاني التبريزي في ليلة الجمعة، سادس شهر صفر المظفر من شهور عام 1418 ه في جوار الحضرة الفاطمية في قم المحمية زادها اللّه شرفا.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.